للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحكى عن عبد الله بن جعفر أنه كان يحب جارية فبلغه أنها تهوى عبداً من عبيده، فقال لها في ذلك فقالت أعيذك بالله من هذا فأقسم عليها أن تصدقه فأطرقت ساكتة فزوجها منه ثم داخله من حبها ما كاد أن يذهب عقله، فدعا الغلام فقال له هل تنزل عنها بعشرة آلاف درهم. فقال ولا مائة ألف. فقال بارك الله لك فيها، فلم يكن إلا قليل ومات العبد فأعادها ابن جعفر، وقيل أنه حين دخل بها أنشد:

رضيت بحكم الله في كل أمره ... وسلمت أمر الله فيه كما مضى

بلاني وأبلاني بحب دنية ... وصبرني حتى انمحى الحب فانقضى

لعمري ما حب بحب ملالة ... ولا كان حبي زائلاً فتنقضا

ولكن حبي معه دل يزينه ... ويعرض أحياناً إذا الحب أعرضا

حكى الرياشي قال اشترى بصري جارية على أرفع ما يكون من الجمال والفصاحة، فكلف بها وكان مثرياً، فأنفق عليها ما في يده حتى إذا أملق ولم يبق معه شيء أشارت عليه ببيعها شفقة عليه.

فلما حضر بها السوق أخذت إلى ابن معمرة، وكان عاملاً على البصرة، فاشتراها بمائة ألف درهم، فلما قبض المال وهم بالانصراف أنشدت:

هنيئاً لك المال الذي قد حويته ... ولم يبق في كفي غير التذكر

أقول لنفسي وهي في غشى كرية ... أقلى فقد بان الحبيب أو أكثرى

إذا لم يكن للأمر عندي حيلة ... ولم تجدي شيئاً سوى الصبر فاصبري

فاشتد بكاء مولاها وأنشد:

فلولا قعود الدهر بي عنك لم يكن ... يفرقنا شيء سوى الموت فاصبري

أروح بهم في الفؤاد مبرح ... أناجي به قلباً طويل التفكر

عليك سلام لا زيارة بيننا ... ولا وصل إلا أن يشاء ابن معمر

فقال ابن معمر للبصري خذها ولك المال فانصرفا راشدين، فوالله لا كنت سبباً لفرقة محبين.

وحكى عن ابن دأب أنه مرض مرضاً شديداً وطال به الأمر فدعوا له أطباء الروم فعالجوه بضروب من العلاج فلم يؤثر فيه شيء فأمروا أهله أن يوكلوا به امرأة تسقيه من الخمر دون السكر لعله يبوح بما عنده، فأرسل إليه عمه جارية، فلما سقته وغنت عنده، أنشد يخاطب الجارية المغنية وحاضنة كانت له يقول:

دعوني لما بي وانهضوا في كلاءة ... من الله قد أيقنت أني لست باقيا

وإذ قد دنا موتي وحانت منيتي ... وقد جلبت عيني إليّ الدواهيا

أموت بشوق في فؤاد مبرح ... فيا ويح نفسي من به مثل ما بيا

فأعلموا عمه بذلك فرحمه، وبعث إليه بجارية ظريفة كثيرة الأدب فاستخرجت ما عنده بلطف، فأخبرها أنه رأى جارية أخته في نومه فعشقها وأصابه هذا الحال، فأعلمت أخته فوهبت له الجارية فبرىء من علته.

وحكى رجل، قال عشق عبد أسود لصديق لي بالمدينة جارية لرجل أيضاً، وكان يواصلها سراً، فلما علم مولاها جاء إلى مولى العبد فأخبره بذلك فضرب العبد وسجنهن فتوله وطار عقله فدخلت عليه يوماً فقلت له ما هذا الحال قد فضحتنا بهذه السوداء فهل عندها ما عندك فبكى وأنشد:

كلانا سواء في الهوى غير أنها ... تجلد أحياناً وما بي تجلد

نخاف وعيد الكاشحين وإنما ... جنوني عليها حين أنهي وأوعد

فخرجت وأعلمت مولاه فحلف لا يبيتن حتى يجمع بينهما فاشتراها باثني عشر ديناراً وزوجها منه.

وحكى عن ابن جعفر أيضاً أن أحب جارية عنده اسمها عمارة وحباً شديداً فكان لا يستطيع فراقها سفراً ولا حضراً، فقدم على معاوية سنة من السنين لأخذ حقه فزاره يزيد فغنت الجارية بحضرتهن فأخذت بمجامع قلبه وتمكن حبها من نفسه وكان ذا دهاء فكتم أمرها.

فلما أفضت إليه الخلافة استشار أهل سره في أمرها، وأنه لا يهنأ له قرار دونها. فقالوا له ابن جعفر عند الناس بمنزلة، وتعرف ما كان عليه مع أبيك، ولا نأمن عليك في ذلك، فالزم المهلة واجتهد في الحيلة فأخذ في تدبير ذلك حتى ظهر له، فأحضر رجلاً عراقياً معروفاً بالدهاء والحيل، وأطلعه على أمره، فقال له مكني مما أريد، ولك علي أن آتيك بها، فقال لك ذلك وسترى مني ما يسرك، ثم أعطاه مالاً وثياباً وجواهر.

<<  <   >  >>