للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فما السجن إلا ظلّ بيت دخلته ... وما السوط إلا جلدة خالطت جلدا

أبا معبد والله ما حلّ حبها ... ثمانون سوطاً بل يزيد بها وجدا

فإن يقتلوني يقتلوا ابن وليدة ... وأن يتركوني يتركوا أسدا وردا

غداً يكثر الباكون منا ومنكم ... وتزداد داري من دياركم بعدا

فلما علم مولاه اصراره أحرقه.

ومن الأول المتجردة وهي امرأة المنذر بن ماء السماء، وكانت من أعظم نساء العرب جمالاً، فلما مات عنها أخذها ولده النعمان فكان يجلسها مع نديميه النابغة والمنخل، فشغفت بالمنخل وامتزجا فأمر النعمان يوماً النابغة أن يصفها، فقال:

وإذا طعنت طعنت في مستهدف ... رابي المجسة بالعبير مقرمد

وإذا نزعت نزعت عن مستحصف ... نزع الحزّور بالرشاء المحصد

فقال المنخل هذا وصف معاين، وحرض النعمان على قتله فهرب وكان عفيفاً، فلما خرج النعمان إلى الصيد رجع بغتة فوجد المتجردة مع المنخل قد ألبسته أحد خلخاليها وشدت رجله إلى رجلها وله فيها:

إن كنت عاذلتي فسيري ... نحو العراق ولا تحوري

ولقد دخلت على الفتا ... ة الخدر في اليوم المطير

والكاعب الحسناء تر ... فل في الدمقس وفي الحرير

فدفعتها فتدافعت ... مشي القطاة إلى الغدير

ولثمتها فتنفست ... كتنفس الظبي البهير

فرثت وقالت هل بجس ... مك منخل من فتور

ما شف جسمي غير حب ... ك فاهتدى وعني وسير

وأحبها وتحبني ... ويحب ناقتها بعيري

ولقد شربت من المدا ... مة بالصغير والكبير

فإذا سكرت فإنني ... رب الخورنق والدير

وإذا صحوت فإنني ... رب الشويهة والبعير

يا هند هل من ناهل ... يا هند للعاني الأسير

ومن الرابع ما يحكى عن سليمان بن عبد الملك، وكان شديد الغيرة أنه خرج لغرض ومعه سنان وكان فارساً معروفاً بالشجاعة والمحبة لسليمان، وكان حسن الغناء وكان يتركه كثيراً لمعرفته بغيرة سليمان، فزاره ضيوف فأكرمهم فقالوا يا سنان لم تكرمنا ما لم تسمعنا الغناء وكان قد أخذت منه الخمر فأنشد:

محجوبة سمعت صوتي فأرقها ... في آخر الليل لما بلها السحر

تثني على فخذها مثنى معصفرة ... والحلى منها على لباتها حصر

لم يحجب الصوت احراس ولا غلق ... فدمعها الطروق الصوت منحدر

في ليلة النصف ما يدري مضاجعها ... أوجهها عنده أبهى أم القمر

لو خليت لمشت نحوي على قدم ... يكاد من رقة المشي ينفطر

فلما سمع سليمان الصوت خرج فزعاً يتفهمه، وكانت عنده جارية اسمها عوان، وكان يحبها حباً شديداً وهي مشهورة بالجمال. فجاء إليها فرآها على صفة الأبيات، وكانت يقظانه، فلما فطنت به قالت يا أمير المؤمنين قالت الله الشاعر حيث قال:

ألا رب صوت جاءني من مشوّه ... قبيح المحيا واضع الأب والجدّ

قصير نجاد السيف جعد بنانه ... إلى أمة يدعى معاً وإلى عبد

فسكن ما به وقال: قد راعك صوته، قالت صادف مني يا أمير المؤمنين فحلف ليقتلنه فأرسلت عبداً يحذره، وقالت إن لحقته قبل فلك ديته وأنت حر، فسبقت رسل سليمان فجاؤا به فنظر غله ملياً، ثم قال أنت المجترىء ويلك؟ فقال أنا فارسك فاستبقني، فقال لا أقتلك ولكن أزيل تفحلك، وأمر به فخصي وألقي في دير الخصيان.

قالوا وفي ذلك الوقت بلغ سليمان كثرة المخنثين المغنين بالمدينة، فكتب إلى عامله أن أحصهم يعني أضبطهم لننظر في أمرهم. فسبقت نقطة على الحاء فأمر العامل بخصيهم، فقال كل عند خصيه كلمة سارت مثلاً، فقال طوبس ما هذا إلا ختان أعيد علينا. وقال دلال بل هو الختان الأكبر، وقال نسيم السحر بالخصي صرت مخنثاً حقاً. وقال نومة الضحى بل صرنا نساء حقاً، وقال ابن الفؤاد استرحنا من حمل ميزاب البول معنا. وقال ظل الشجر ما نصنع بسلاح لا يستعمل.

<<  <   >  >>