ويروى أن الذي سمعه سليمان لم يكن سناناً الكلبي بل كان سميراً الأيلي وفي الرواية بدل محجوبة وعادة سمعت وبدل قوله في ليلة النصف في ليلة البدر وهو أليق في هذا المقام لأن القمر وإن لم ينقص ليلة النصف، فهو في ليلة البدر أبهج ولم يلهج الشعراء إلا به وأن سليمان قال حين روجع في خصيه أن الفرس يصهل فتستودق الحجرة، والفحل يخطر فتضبع الناقة والتيس ينب فتستحرم العنز والرجل يغني فتشبق المرأة.
ومن الثاني ما حكي أنه كان في بني إسرائيل رجل صالح يعمل بالمسحاة لفقره، وكان عنده امرأة مفرطة في الجمال، وكان إذا قدم قامت لخدمته من فرش وتقديم طعام ونحوه. وأن عجوزاً دخلت عليها فتأملت حسنها، وذهبت فوصفتها للملك فعشقها ووعد العجوز بمال كثير على أن تخلصها له، فقالت لها كيف تذهبين هذا الجمال مع رجل يعمل بالمسحاة، ولو طاوعتني لزوجتك بالملك وأمرتها أن تعصيه وترجع عن خدمته.
فجاء فلم تقم إليه على العادة، ولم تقدم له شيئاً، فقال ما هذا يا هناه؟ قالت هو ما تراه. فقال أطلقك، قالت نعم. ففعل وتزوج بها الملك فحين نظر إليها كف ومد يده فشلت، فرفع الأمر إلى نبي ذلك الزمان، فجاءه الوحي أن يعبني ما فعل بصاحب المسحاة وقد ساق هذه الحكاية في النزهة في باب من عشق بالسماع وذكر أن المرأة أيضاً فلجت وأنها ماتت بعد سبعة أيام.
ومنه الزرقاء جارية ابن راميين كانت من المشاهير بالجمال والحسن والغناء، وافتتن بها غالب أهل زمانها، وكان الناس يقصدونها لسماع صوتها ويبذلون لها مالاً خطيراً. فاشتد ولوع يزيد بن عون الصيرفي بها، فدخل عليها ومعه لؤلؤتان، فقال لها قد بذل لي فيهما أربعون ألف درهم. فقالت هبهما لي. فقال افعل إن شئت. قالت شئت فحلف لا يعطيهما لها إلا من فمه إلى فمها.
فغمزت الخادم فخرج، وكان يزيد واقفاً منكسراً بين يديها، يعني كاتفاً يديه. فجلس مقعياً يعني على رؤوس أصابعه وتقدم إليها فأقبلت لتتناولهما فجعل يزوغ بفمه ليستكثر من مقابلتها فانقضت عليه فأخذتهما وقالت المغلوب في استه عود فقال أما أنا والله لا يزال طيب هذه الرائحة في أنفي وفمي ما حييت أبداً وأنها أفضت إلى جعفر بن سليمان وأبوه عامل المنصور، فدخل على ابنه يعتبه على شرائها واشتغاله بها في هذه الأيام.
وقد خرج عليهم خارجي فغمز جعفر الخادم فأخرجها إليه فقبلت رأسه واجتلبته فرضي ولم يعتب بعدها وأن جعفراً قال للزرقاء يوماً هل تمكن أحد من مجيئك يوماً منك بشيء فخشيت أن تكتمه ما عساه أن يكون بلغه فأخبرته بموافقة الصيرفي فاحتال عليه حتى واعترف بما نسب إليه فضربه حتى مات.
ومن الثاني ما حكي أنه كان في بني إسرائيل، رجل اسمه عبود كلف بابنة عمه حتى كان لا يصبر عنها ساعة، فتزوج بها وأقاما مدة فماتت فاشتد وجده وطار عقله.
فمضى إلى المسيح عليه السلام وسأله أن يحييها له، فقال لا يتيسر إلا أن تهبها من عمرك شيئاً، فقال قد وهبتها نصف عمري، فأحياها له ومضيا وقد لحق عبوداً تعب شديد فجلسا يستريحان فوضع رأسه على ركبتها فنام، فمر ملك الناحية فرآها فعلقت بقلبه وهو أيضاً فعرض عليها أن تكون معه فأجابته فحملها في قبة وانتبه عبود فلم يجد أحداً فقام مرعوباً، فوجد قوماً من المارة ينعتون حسنها. فسألهم فأخبروه بأنها مع الملك فلحقها وجعل يذكرها بما صنع وهي ساكتة.
فقال لها قد كنت مت وسألت المسيح في احيائك، ووهبتك نصف عمري على أن تكوني معي، فحيث لم ترضي فردي علي ما وهبتك، فقالت قد رددته، فما خرجت الكلمة حتى ماتت.
ومن الثالث ما حكي عن لقمان بن عاد الذي كان يضبط عمره بأن يمسك النسر من حين خروجه من البيضة إلى أن يموت فيؤتي بالآخر كذلك حتى عاش عمر سبعة كل واحد على ما قيل مائة عام أنه كان مغرماً بالنساء ومع طول عمره وكثرة تزوجه كان شديد الاحتراس وهن يخنه.