وأما قصة بشر وهند فقد آلت بها الشهر إلى أن أفردت بالتأليف وحاصلها أن بشراً رجل من أسد ذكره الحافظ ابن حجر في القسم الأول من الاصابة، وهند جهنية قيل ذكرت في حديث ساقط وكانت بالمدينة في ممر بشر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلقته وتعرضت إليه بمراسلات بأشعار أظنها موضوعة لاهمالها فلذلك حذفتها، فلما رأى بشر الحاحها هجر الممر وصار يأتي من غيره فلزمت الوساد وهم زوجها أن يدعو لها الأطباء فنهته وقالت أنا أعرف علتي، فلما علمت الطريق التي يمر منها بشر أخبرت زوجها أنها رأت في نومها أنها متى سكنت في موضع كذا شفيت فنقلها من وقتها فكانت تنظر إليه فبرئت وأطلعت عجوزاً على أمرها فوعدتها أن تجمعها به، ثم وقفت له فسألته أن يقرأ لها كتاباً أو يكتبه ففعل وهند تسمع، ثم قالت له العجوز أراك مسحوراً وما قلت لك إلا عن يقين ثم وعدته أن يأتيها يوماً لتنظر له فيما يصلح له وقالت لهند قد سمعت فنهيء.
فلما خرج زوجها إلى بعض القرى وقد وعدت العجز بشراً فجاء حين جلس أدخلت هنداً عليه وأغلقت الباب فجاء زوجها فحين رآه، طلقها ثم مضى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله سل هذا لم دخل بيتي فقال بشر والذي بعثك بالحق ما كفرت منذ أسلمت، ولا زنيت مذ عرفتك، ولكن القصة كذا وكذا فأدب العجوز وقال أنت أصل البلية وانصرفوا فلم يمكث بشر حتى ابتلى بحب هند وراسلها فامتنعت فلم يزل حتى مات، فجاءت فحين رأته سقطت ميتة ودفنا معاًن فجاءت العجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم معتذرة فأخلصت توبتها.
وفي امتزاج النفوس عن رجل من أصحاب الحديث قال دخلت ديراً كنت أعرف فيه راهباً معروفاً بالأخبار فوجدته مسلماً وجميع من في الدير، فسألته عن السبب فقال عشقت جارية منا غلاماً عابداً وافتتنت به ودعته إليها فأبى، فلما زاد بها الوجد أعطت مصوراً مالاً فنقش لها صورته فكانت تقبلها وتبكي كل يوم إلى الغروب وتنصرف فبلغها موت الغلام فعملت مأتمه ثم التزمت لثم الصور، فلما أصبحنا وجدنا ميتة إلى جانبها وعلى يدها مكتوب:
يا موت دونك روحي بعد سيدها ... خذها إليك فقد أودت بما فيها
أسلمت وجهي للرحمن مسلمة ... ومت موت حبيب كان يعصيها
لعلها في جنان الخلد يجمعها ... يوم الحساب ويوم البعث باريها
مات الحبيب وماتت بعده كمداً ... محبة لم تزل تشفي محبيها
قال فشاع ذلك حتى بلغ المسلمين فأخذوها ودفنوها إلى جانبه فرأيتها في النوم فقلت ما فعل الله بك فأنشدت:
أصبحت في راحة مما جنته يدي ... وبت جارة فد واحد صمد
محا الإله ذنوبي كلها وغدا ... قلبي خلياً من الأحزان والكمد
لما قدمت على الرحمن مسلمة ... وقلت أنك لم تولد ولم تلد
أثابني رحمة منه وأسكنني ... مع من هويت جناناً آخر الأبد
فعلمت أن الإسلام حق فأسلمت وأسلم أهل الدير بسببها.
وحكى الشيزري في روضة العشاق عن راهب أسلم، وكان اسمه عبد المسيح، قال سئل عن سبب إسلامه؛ فحكى أنه كان عندهم جارية نصرانية تبيع الخبز أحبها شاب مسلم واشتد حاله في حبها فسلطت عليه الصغار فضربوه، فلما علمت صدقه عرضت عليه نفسها في الحرام فأبى، فعرضت عليه التنصر فأبى فأمرت الصغار بضربه حتى مات وهو يقول: اللهم اجمع بيننا في الجنة فرأته في النوم وقد انطلق بها إلى الجنة فمنعت لأجل الاسلام فأسلمت، ودخل بها فأراها قصر من اللؤلؤ، وقال هذا لي ولك وستأتي بعد خمس ليال، فاستيقظت فأسلمت ولزمت قبره حتى ماتت بعد خمس ليال فأسلمت لذلك.
وحكى ابن عاصم قال: قال لي بعض أصحابي بالكوفة هل لك أن تنظر إلى عاشق فقلت نعم. فإني أسمع الناس يذكرون العشق فمضى بي إلى دار فرأيت شاباً مطرقاً ساكتاً يكلمه الناس ولا ينطق وعلى يده وردة حمراء فقال صاحبي كأن فلانة أرسلتها إليك فحين سمع ذكرها رفع رأسه وأنشد:
جعلت من وردتها ... تميمة في عضدي
أشمها من حبها ... إذا علاني كمدي
فمن رأى مثلي فتى ... بالحزن أضحى مرتدي
أسقمه الحب وقد ... صار حليف الأود
وصار سهواً دهره ... مقارناً للكمد