للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقولنا ميل كالجنس ونفساني كالفصل وإلى المراد فصل قريب ولذلك أخره وهذا هو فعل المادة والصورة والجزم في الاعتقاد بالفاعلية وغاية ذلك الثبات على الحب حيث ثبت أن ما سواه فساد فقد جمع هذا الحد مطرداً ومنعكساً أحوال المحبة على وجه العموم فمن أراد تخصيصه فبالفصول اللائقة ثم لهذه المحبة أوصاف وشروط منها أن لا يبالي المحب بما يرد من المحبوب وأن يؤثر رضاه على نفسه فيتلذذ فيه بالبلاء كالعطاء وبالغيبة كالحضور والهجر كالوصل والفناء كالبقاء إذا كان ذلك رضا المحبوب قال العارف:

فكل الذي ترضاه والموت دونه ... به أنا راض والصبابة أرضت

فانظر إلى هذا الاستاذ كيف أوضح طرق السلوك للسالك ودل على المطالب والمسالك وأوضح مرقاة الوصول للدارج ونكب عن المعارج إلى أسنى المعارج حيث قال: نعم بالصبا قلبي صبا لأحبتي، لأن الزمان المذكور محل الميل إلى مرادات النفس وشهواتها ففي البيت مع الجناس التام واستيفاء مادة الكلام تحرير أحوال الغرام بأقصى المراد ثم أكد ما أسس وأبدع ما جنس وقوى جزئي الميل حتى صار كلياً بما وشح من بديع نظامه وأنق من لطيف كلامه بقوله:

محجبة بين الأسنة والظبا ... إليها انثنت ألبابنا إذ انثنت

ممنعة خلع العذار نقابها ... مسربلة بردين قلبي ومهجتي

فجدوا أيها المقصرون وانتبهوا أيها الغافلون وبادروا أيها المثمرون فإن المطلوب خطير والوصول عسير وليس هذا قطعاً عن الطريق وتخذيلاً للهمم كما زعمه بعض الشراح المتلبسين بهذه الصناعة الظانين أن الوصول إلى هذا النفس بالظاهر من البلاغة والبراعة كلا بل هو تبيين وتحقيق لئلا يقدم على هذا الأمر إلا من أراد علو همته وغلو قيمته ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة ولا يتلبس بالعلم غير أهله ولا يبسق الفرع على غير أصله:

فللحب أقوام كرام نفوسهم ... منزهة عما سوى الحب يا خلي

<<  <   >  >>