أعلم أن واهب الصور لما صدر عنه العقل كان أعظم صادر لقربه من الكمال الذاتي فالعود إليه وطلب القرب منه واجب على كل ذي نفس قدسية ومن تطابقت الأدوار شاهدة بذلك ويدل له عموم فقال له أقبل الحديث وعنه النفس الكلية ثم قسما الأجسام الفلكية والعنصرية كما هو في محله إلى أن كان أشرف النفوس وأرفعها على الاطلاق النفس الانسانية ولشبه الشيء بأصوله كما هو واضح مقرر في محله بالبراهين انقسمت هذه النفس باعتبار أصولها إلى ثلاثة أقسام أحدها النفوس المعدنية وهي الجامدة التي لا تعقل ما يراد منها ولا نعرف إلا ما تقوم به بنيتها ويصدر عنها وذلك أما بالخاصية أو بأمر أودعها صانعها فيها لمصالح يعلمها ويشهد لذلك ما يشاهد من صور في الجبال والطن ونحوهما وثانيهما النباتية وهي أرفع من الأولى باعتبار الذبول والتحلل الظاهر وثالثها الحيوانية وتفصل السابقة بالحركة الارادية والحساسية ونحوهما من العوارض ثم كل واحدة من هذه الثلاث تنقسم باعتهار ما تشابهه من النوع كانقسامه في نفسه وذلك كانقسام الأولى إلى ما يكون صافي الجوهر جيده كالياقوت والذهب والثانية إلى ما هو كثير النفع طيب الطعم والرائحة كالعنبر والعود والثالثة إلى ما هو صالح للنفع والزينة كالخيل وإلى شجاع كالأسد وخبيث كالنمر وحافظ للعهد كالكلب وقوام على حفظ ما يستحفظ كالقرد ونظائر ذلك ولما كانت النفس الانسانية زبدة الكائنات وخاتمة طرفي سلسلة العلل والمعلولات لا جرم كانت مقتدرة على أن تتبع شهوات الجسم وعوارض الكثيف فتكون حيوانية بحتة أو تعمل في خلاص النفس من ظلمة الطبيعة وقفص الجسم فتحلق بعالمها الأصلي وهي النفس الملكية المقرة بالمبدأ والمعاد المخلصة من محض الكثافة المنتظمة في سلك محض اللطافة أو تجمع بين الأمرين وتؤلف بين الطريقين وهذه هي الانسان المطلق والأولى الحيواني والثانية الملكي فقد بان لك أن الإنسان منقسم كأصله ومميز بفعله ثم لا شبهة في انقسام كل كالمنتسب إليه ويكون كماله منزلاً عليه فالحكيم محتاج في اصلاح الأولى إلى ما يكون بمجرد حسن اللفظ والسياسة كالطيور أو بالضرب والاهانة كالدب والحمار وباطعام الطعام كالخيل والكلاب أو بالارسال والجدب والتحفظ من غدرها كالأسود والجمال والثانية وإن تفاوتت مراتبها غنية عن الاصلاح إلا من قبل مبدعها والثالثة هي المحتاجة إلى العلاج وملاطفة الزاج والعشق الحقيقي لها غالباً لأنه تابع للأمزجة ولأن عشق الملكي والحيواني بسيط إذ الأول يكون لمحض ذات واجب الوجود ومبدع الفيض والجود والثاني لمحض قضاء شهوات الجسم الفاسدة الناشئة عن الفكر الجامدة إذا تقرر هذا فاعلم أن العشق بعد أن سمعت ما سمعت يختلف باختلاف المزاج على أنحاء أربعة سريع التعلق والزوال كما في الصفراويين وعكسه كما في السوداويين وسريع التعلق بطيء الزوال كما في الدمويين وعكسه كما في البلغميين ومثل هذه مراتب الحفظ والنسيان وأما المعتدل فيكون العشق فيه كذلك فعلى هذا يكون قولهم لكل أحد صبوة الأمل جفت خلقته أو نقصت بنيته أو خرجت عن الاعتدال أمزجته محمولاً على الاعتدال النسبي الذي إذا حصل لشخص كان به على ما ينبغي أن يكون عليه لا الحقيقي لعزة وجوده ولزوم ندور العشق حينئذ والواقع خلافه ثم هو متى وقع على ما وصفناه أمكن حصول المزايا المذكورة فيه فقد قال الاستاذ أن أقل مزاياه تعليم الكرم والشجاعة والنظافة وحسن الأخلاق وذلك أن غاية مراد العاشق رضا معشوقه ورضا المعشوق يكون بانصاف العاشق بما يوجب المدح ويحسن المرتبة في القلب فعلى ثبوت هاتين المقدمتين ينتج ما قلناه واللازم واقع فكذا الملزوم وبيان الملازمة ظاهر وايضاحه أن العاشق وإن بخل جداً فلا يمكن بخله على المعشوق ومنه يتطرق الحال إلى من يعلم أنه متى بخل عليه أوصل الأمر إلى معشوقه وهكذا فيؤدي الحال إلى مطلق الكرم وكذا باقي السجايا المذكورة ولذلك جاء الناموس الشرعي بمطابقة القانون الحكمي كما هو شأن الشارع في غير هذا أيضاً ليكون التطابق بين الحكمة والشرع في كل شيء ولا عبرة بكلام بعض الأغبياء عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم من عشق فعف فمات دخل الجنة زاد الخطيب عن فظفر ثم أبدل قوله دخل الجنة بقوله مات شهيداً وفي أخرى وكتم والحديث بسائر ما ذكر صححه مغلطاي وأمحله البيهقي