وأنك لا تجزين مني صحابة ... ولا أنا للهجران منك أطيق
وإنك قسمت الفؤاد فنصفه ... رهين ونصف في الحبال وثيق
كأن الهوى بين الحيازيم والحشا ... وبين التراقي واللهاة حريق
فإن كنت لما تعلمي العلم فاسألي ... وبعض لبعض في الفعال يفوق
سلى هل قلاني من خليل صحبته ... وهل ذمّ رحلي في الرفاق رفيق
وهل يجتوي القوم الركام صحابتي ... إذا اغبرّ محشيّ المعجاج عميق
واكتم أسرار الهوى فأميتها ... إذا باح مزاح بهن يروق
هل الصبر إلا أن أصدّ فلا أرى ... بأرضك إلا أن يكون طريق
وروى أن قيساً انتقى ناقة من إبله وقصد المدينة ليبيعها فاشتراها زوج لبنى وهو لا يعرفه، ثم قال له ائتني غداً في دار كثير بن الصلت أقبضك الثمن، فجاء وطرق الباب فأدخله وقد صنع له طعاماً وقام لبعض حاجاته، فقالت المرأة لخادمتها سليه ما بال وجهه متغيراً شاحباً فتنفس الصعداء، ثم قال هكذا حال من فارق الأحبة. فقالت استخبريه عن قصته فاستخبرته فشرع يحكي أمره فرفعت الحجاب وقالت حسبك قد عرفنا حالك فبهت حين عرفها لا ينطق ساعة، ثم خرج لوجهه فاعترضه الرجل وقال ما بالك عدلت قبض مالك وإن شئت زدناك، فلم يكلمه ومضى فدخل الرجل فقالت له ما هذا الذي فعلت إنه لقيس فحلف أنه لا يعرفه، وأنشد قيس معاتباً لنفسه:
أتبكي على لبنى وأنت تركتها ... وكنت عليها بالملا أنت أقدر
فإن تكن الدنيا بلبنى تقلبت ... فللدهر والدنيا بطون وأظهر
كأني في أرجوحة بين أحبل ... إذا فكرة منها على القلب تخطر
وقيل أنه حين جاء ليقبض ثمن المطية رأى لبنى فعاد مبهوتاً فسأله الرجل فقال له لا تركب لي مطيتين فقال أنت قيس قال نعم قال ارجع لنخيرها فإن اختارتك طلقتها وظن الرجل أنها تبغض قيساً فخيرها فاختارت قيساً فطلقها لوقته.
وحكي أن سبب طلاقها أن قيساً قصد ابن أبي عتيق وكان أكثر أهل زمانه مروءة في ذلك، فجاء إلى الحسن والحسين وأعلمهما أن له حاجة عند زوج لبنى وطلب أن ينجداه عليه فمضيا معه حتى اجتمعوا به وكلموه في ذلك فقال سلوا ما شئتم فقال له ابن أبي عتيق أهلاً كان أو مالاً قال نعم، فقال أريد أن تطلق لبنى ولك ما شئت عندي فقال أشهدكم أنها طالق ثلاثاً فاستحيوا منه وعوضه الحسن مائة ألف درهم وقال له لو علمت الحاجة ما جئت.
وروى أن لبنى عاتبت قيساً على تزويج الفزارية فحلف لها أن عينيه لم تكتحل برؤيتها ولم يكلمها لفظة واحدة وأنه لو رآها لم يعرفها وأخبرته لبنى أنها كاره زوجها وأعلمته أنها لم تتزوجه رغبة فيه بل شفقة على قيس حين أهدر دمه ليخلى عنها فطلقها حين علم ما بينهما وأرسل أخو الفزارية إلى قيس حين أبطا عنه يسأله الرجوع فأعاد الرسول بالخيار في أمر اخته فاختار الرجل عدم الفرقة وقصد قيس معاوية فمدحه فرق له وكان ذلك قبل طلاق لبنى فقال له إن شئت كتبت إلى زوجا بطلاقها فقال لا ولكن ائذن لي أن أكون ببلدها ففعل فنزل قيس حين زال هدر دمه بحبها وظافرت مدائحه فيها حتى غنى بها معبد والغريض واضرابهما فرق الناس له هذا ولما طلقت نقلت إلى العدة بأمر ابن أبي عتيق فمن ذاهب إلى أنها أكملت عدتها وتزوجها وأقاما إلى الموت بدليل مدحه لابن أبي عتيق حيث قال:
جزى الرحمن أفضل ما يجازى ... على الاحسان خيراً من صديق
فقد جربت إخواني جميعاً ... فما ألفيت كابن أبي عتيق
سعى في جمع شملي بعد صدع ... ورأى حدت فيه عن الطريق
وأطفأ لوعة كانت بقلبي ... أغصتني حرارتها بريقي
ومن ذاهب وهم الأكثر إلى أنها ماتت في العدة وأن مدحه لابن أبي عتيق حين لم يشك في عودها إليه وقد نهاه عن مدحه وقال له من سمع بهذا يعدني قواداً والقائلون بموت لبنى في العدة أجمعوا أن قيساً خرج حين بلغه ذلك حتى وقف على قبرها وأنشد:
مات لبينى فموتها موتي ... هل ينفعن حسرة على الفوت
إني سأبكي بكاء مكتئب ... قضى حياة وجداً على ميت