فمدت لي الأسباب حتى بلغتها ... برفقي وقد كاد ارتفاقي يضيرها
فلما دخلت الخدر أطت نسوعه ... وأطراف عيدان شديد سيورها
فأرخت لنضاخ الذفاري منصة ... وذي سيرة قد كان قدماً يسيرها
وإني ليشفيني من الشوق أن أرى ... على الشرف النائي المخوف أزورها
وإن أترك العيش الحسير بأرضها ... يطيف بها عقبانها ونسورها
حمامة بطن الواديين ترنمي ... سقاك من الغر الغوادي مطيرها
أبيني لنا لا زال ريشك ناعمة ... ولا زلت في خضراء دان بريرها
وقد تذهب الحاجات يسترها الفتى ... فتخفي وتهوى النفس ما لا يضيرها
وكنت إذا ما زرت ليلى تبرقعت ... فقد رابني منها الغداة سفورها
وقد رابني منها صدود رأيته ... واعراضها عن حاجتي وقصورها
أرتك حياض الموت ليلى وراقنا ... عيون نقيات الحواشي تديرها
ألا يا صفي النفس كيف بقولها ... لو أن طريداً خائفاً يستجيرها
تجير وإن شطت بها غربة النوى ... ستنعم ليلى أو يفادى أسيرها
وقالت أراك اليوم أسود شاحباً ... وإني بياض الوجه جر جرورها
وغيرني إن كنت لما تغيرت ... هواجر لا أكتنها وأسيرها
إذا كان يوم ذو سموم أسيره ... وتقصر من دون السموم ستورها
وقد زعمت ليلى بأني فاجر ... لنفسي تقاها أو عليها فجورها
فقل لعقيل ما حديث عصابة ... تكنفها الأعداء ناء نصيرها
فإن لا تناهوا يركب اللهو نحوها ... وخفت برجل أو جناح يطيرها
لعلك يا قيساً ترى في مريرة ... معذب ليلى إن رآني أزورها
وادماء من حر الهجان كأنها ... مهاة صوار غير ما مس كورها
من الناعبات المشي نعباً كأنما ... يناط بجذع من أراك جريرها
من العر كنانيات حرف كأنها ... مريرة ليف شد شداً مغيرها
قطعت بها موماة أرض مخوفة ... ردأها حين يستن مورها
ترى الضعفاء القوم فيها كأنهم ... دعاميص ماء نس عنها غديرها
وقسورة الليل التي بين نصفه ... وبين العشا قد ريب منها أسيرها
أبت كثرة الأعداء أن يتجنبوا ... كلابي حتى يستشار عقورها
وما يشتكي جهلي ولكنّ عزتي ... تراها بأعدائي لبيثاً طرورها
أمخترمي ريب المنون ولم أزر ... جواري من همدان بيضاً نحورها
تنوء بإعجاز ثقال واسوق ... جدال واقدام لطاف شعورها
أظن بها خيراً وأعلم أنها ... ستنفك يوماً أو يفك أسيرها
أرى اليوم يأتي دون ليلى كأنما ... أتت حجة من دونها وشهورها
عليّ دماء البدن إن كان بعلها ... يرى لي ذنباً غير أني أزورها
وإني إذا ما زرتها قلت يا اسلمي ... ويا بأبي قول اسلمي ما يضيرها
وهذه القصيدة قال صاحب النزهة أنشدها كلها حين سجع الحمائم وقيل أنشدها متقطعة بحسب الوقائع وإنما جمعتها الشعراء وها أنا أورد ذكر غريبها وما وقع لبعض أبياتها من الحكايات قيل لما وقفت ليلى على قوله ولما دخلت الخدر غضبت غضباً شديداً ثم أمسكت عن كلامه برهة فتوسل إليها وعرض عليها أنه يريد أن يسقي نفسه السم إن لم تكلمه، فجمعت ثلاثة من أهلها بحيث يخفون عليه واستحضرته فلما آنسته قالت أي خدر دخلت معي حتى تقول ما تقول؟ فقال هذا استرسال الشعراء ثم ذكر لها أمثال ذلك وتنصل ففرحت بسماع أهلها ذلك. وقوله منصة يريد بها الستر وقوله حمامة بطن الوديين ترنمي هو أول بيت تفوه به من القصيدة إلى قوله وكنت إذا ما زرت ليلى ثم ضم الباقي.