وأما قوله وكنت إذا ما زرت ليلى فالحقه بعد اكمالها وسبب انشاده أنه كان يزورها على خيفة وخفية، فلما اشتد التحريج عليه جعلت بينها وبينه أمارة فقالت إذا مررت فوجدتني مبرقعة فاجلس مطمئناً فلا حرج حينئذ، فلما قوي حرصهم وتوعدهم لها وأجمعوا أن يفتكوا به إذا رآها خرجت يوم ميعاد سافرة على كثيب بحيث يراها على البعد، فلما أقبل ورآها سافرة مضى في طريقه منتكباً وهو يقول: وكنت إذا ما زرت ليلى الأبيات. ثم دخل الشام فأقام بها يسيراً فلم يأخذه قرار وتاقت نفسه إلى العرب فكان يخرج إلى الربوة ليسلي نفسه فلم يكن له دأب إلا البكاء فأقام أياماً لا يلذ له حال ولا ينعم له بال فخرج يريد البادية فمر حين قابل حيها بصغير يلعب فقال له هل أنت عارف بليلى؟ قال نعم. قال امض إليها وأنشد: وكنت إذا ما زرت ليلى تبرقعت وعد إلي فسأحسن منقلبك.
فمضى الغلام فأنشد البيت لليلى فعلمت أن توبة قد ورد الحي فقالت للغلام قل له أنها الآن مبرقعة فمضى الغلام إليه وأعمله بذلك فأعطاه دينارين وأقبل فجدد زيارتها ثم قال لها مكنيني من تقبيل يدك، وفي الروض النضير أنه سألها قبلة فأنشدت:
وذي حاجة قلنا له لا تبح بها ... فليس إليها ما حييت سبيل
لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه ... وأنت لأخرى صاحب وخليل
ففطن أنها استرابت منه فحلف أنه لم يرد سوءاً وأن نفسه قد حدثته بأن يجربها فاستشاطت شوقاً ثم ودعها على استحياء ومضى، فما استقر به المنزل حتى عزمت خفاجة على غزو الهذليين، فخرج فقتل في الوقعة، ولما وقع به رمق أدركه ابن عمه فقال له هل لك حاجة؟ قال نعم تبلغ ليلى هذه الأبيات وأنشد:
ألا هل فؤادي من صبا اليوم طافح ... وهل ماوأت ليلى به لك ناجح
وهل في غد إن كان في اليوم علة ... سراح لما تلوى النفوس الشحائح
ولو أن ليلى الأخيلية سلمت ... علي ودوني جندل وصفائح
لسلمت تسليم البشاشة أوزقا ... إليها صدى من جانب القبر صائح
ولو أن ليلى في السماء لأصعدت ... بطرفي إلى ليلى العيون الكواشح
ولو أرسلت وحياً إلي عرفته ... مع الريح في موارها المتناوح
أأغبط من ليلى بما لا أناله ... إلا كل ما قرت به العين صالح
سقتني بشرب المستضاف فصرت ... كما صرد اللوح النطاف الصحاصح
وهل تبكين ليلى إذا مت قبلها ... وقام على قبري النساء النوائح
كما لو أصاب الموت ليلى بكيتها ... وجاد لها جار من الدمع سافح
وفتيان صدق قد وصلت جناحهم ... على ظهر مغبر التنوفة نازح
بمائرة الضبعين معقورة النسا ... أمين القرى مجترة غير جانح
وما ذكرتي ليلى نأى دارها ... بنجران إلا الترهات الصحاصح
قوله ولو أن ليلى البيتين قد سبق الكلام عليهما في قصة المجنون وزقا بالزاي وقوله: وهل تبكين ليلى، يعني وهل هي باكية إذا مت فليلى في البيت فاعل حذراً مما توهم هنا، وفي النزهة وما ذكر تنبيه على بعد دارها وقيل أن هذه القصيدة أنشدها حين خرج قبل ورود الوقعة، وإنما أنشد عند موته قوله:
عفا الله عنها هل أبيتن ليلة ... من الدهر لا يسري إلى خيالها
وإن ابن عمه حين جاء أنشدها الأبيات أو هذا البيت فأجابته:
وعنه عفا ربي وأحسن حاله ... فعزت علينا حاجة لا ينالها
وقيل مات عشقاً وكيف كان لما بلغ نعيه ليلى خلعت الزينة وأقامت على الحزن حتى ماتت بعده لكن بعده بسنين كثيرة فقد قيل أن وفاة توبة كانت سنة سبعين وقيل إحدى وسبعين ووفاة ليلى كانت إحدى ومائة.
قيل مرت بقبر توبة فقال زوجها هذا قبر توبة الكذاب فقالت لم يكن والله كذاباً فقال لها أليس يقول ولو أن ليلى الأخيلية البيتين، سلمي عليه لننظر فامتنعت فأقسم عليها أن تفعل فلما سلمت خرج من طاقة القبر بومة فأجفلت الناقة فوقعت ليلى ميتة فدفنت إلى جانبه.