وقيل طير كانت العرب تزعم أنه يقيم في هامة المقتول حتى يؤخذ بثاره وحكى أنها هي التي قصدت ذلك وهذه القصة رواها في النزهة عن متفرقين ووثقها وأما هنا فقد حكى ما قررناه إلا السبب عن ليلى نفسها وأنها حكت ذلك للحجاج حين قدمت عليه تجتديه من جدب الزمان فوهب لها مائة من الإبل برعاتها وذلك فيما أخرجه المدائني عن مولى عنبسة قال كنت مع استاذي عند الحجاج إذ قال له الحاجب أن بالباب امرأة فقال أدخلها فلما رآها الحجاج طأطأ رأسه إلى الأرض واستجلسها ثم استنسبها فانتسبت فقال ما جاء بك قالت اخلاف النجوم وقلة الغيوم وكلب البرد وشدة الجهد وكنت لنا بعد الله الرفد فقال لها صفي لنا الفجاج فقالت الفجاج مغبرة والأرض مقشعرة والبرك معقل وذي العيال مجشل والهالك المقل والناس مسنتون رحمة من الله يرجون وأصابتنا سنون مجحفة مبطلة لم تدع لنا هبعاء ولا ربعاء ولا عافطة ولا نافطة أذهبت الأموال وفرقت الرجال وأهلكت العيال فانظر إلى هذه الفصاحة والبلاغة ولذلك انقاد لها مع تجبره فقولها خلاف النجوم تريد به الأنواء فإن العرب يعرفون بمساقط النجوم لانواء يستدلون بها على صحة السنة وخصبها وكثرة الأمطار فكأنها تعد بذلك فإذا لم تأت بذلك فقد أخلفت وقلة الغيوم تريديه لازمها الغالب وهو المطر وفيه عطف الأخف على الأعم وكلب البرد شدته والعرب تطلق هذا الاسم على أيام مخصوصة من تاسع كانون أعني كيهك إلى ثامن عشر شباط أعني امشير والفجاج هنا الأرض وغبرتها كناية عن عدم نداوة الأرض فإن ذلك يثير الغبار واقشعرار الأرض عدم نباتها والبرك الايل وعقلها كناية عن عدم ما تحمله والأجشال اليبس والاملاق والهبعاء الحسنة والربعة السيئة وعن الأصمعي الهبعاء ما يزرع في سوى الربيع والربعاء ما يزرع فيه أو هما مطران أو الابل والغنم ضعيف وفي تهذيب الاصلاح للتبريزي هما كلمتان يراد بهما الاخبار عن نفاد ما في اليد مثل ما عنده سبد ولا لبد والعافطة العنز والنافطة النعجة.
ويقال أيضاً الاثا غية ولا راغية أي لا غنم ولا ابل ثم مدحته حتى استعفى وقال لم يصب وصفي منذ دخلت العراق غيرها ثم قال لخازنه اقطع لسانها فأراد ذلك فقالت ويحك إنما أراد بالعطاء فراجعه فغضب وأمر بعودها ثم قال لجلسائه هذه ليلى التي مات توبة من حبها. ثم قال أنشدينا ما قال فيك، فأنشدت حمامة بطن الواديين، فقال وما قلت أنت فيه فقالت كثيراً أيها الأمير فقال هات فأنشدت:
نظرت ومن دوني عماية منكب ... وبطن الركايا نظرته النواظر
أونس إن لم يقصر الطرف دونهم ... فلم تقصر الأخبار والطرف قاصر
وهي قصيدة ترثيه فيها بكلام حسن غير أن فيها طولاً ومن محاسنها في توبة:
أتته المنايا بين زعف حصينة ... واسمر خطى وجرداء ضامر
على كل جرداء السراة وسابح ... دوان بشباك الحديد زوافر
عوابس تغدو التغلبية ضمرا ... فهن سراح بالشكيم الشواجر
فلا يبعدنك الله يا توب إنما ... لقاك المنايا دارعاً مثل حاسر
فإن لم يكن بالقتل برّ فإنكم ... ستثقون يوماً ورده غير صادر
فتى لا تخطاه الرفاق ولا برى ... لقدر عيالاً دون جار مجرور
ولا تأخذ الابل المهاري رماحها ... لتوبة من صرف السري في الصنابر
إذا ما رأته قائماً بسلاحه ... نفته الخفاف بالثقال البهاذر
إذا لم يجز منها برسل فقصره ... ذرى المرهفات والقلاص التواجر
قرى سيفه منها مشاشاً وضيفه ... سنام المهاري السباط المشافر
وتوبة أحيى من فتاة حيية ... وأجرأ من ليث بخفان خادر
ونعم الفتى إن كان توبة فاجراً ... وفوق الفلى إن كان ليس بفاجر
فتى ينهل الحاجات ثم يعلها ... فتطلعه عنها ثنايا المصادر
كأن فتى الفتيان توبة لم ينخ ... قلائص يفحصن الحصى بالكراكر
ولم يثن ابراداً عتاقاً لفتية ... كرام ورحل قيل في الهواجر
ولم ينجل الضيفان عنه وبطنه ... خميص كطي السبت ليس بخادر