للمخابرة فِي مَسْأَلَة الاماكن المقدسة ظَاهرا وَفِي الْحَقِيقَة لم يكن الْقَصْد من ارساله الا ايجاد اسباب الشقاق للتوصل إِلَى اعلان الْحَرْب بِحجَّة مَقْبُولَة لَدَى الدول كَمَا سَيظْهر ذَلِك فِيمَا بعد فسافر هَذَا السفير من عَاصِمَة الروسيا فِي اول جُمَادَى الاولى سنة ١٢٦٩ ١٠ فبراير سنة ١٨٥٣ مارا باقاليم الروسيا الجنوبية قَاصِدا دَار الْخلَافَة الْعُظْمَى واخذ يراقب تجمع الجيوش بِقرب التخوم العثمانية ويستعرضها باحتفال زَائِد لزِيَادَة الايهام والتأثير على افكار رجال الدولة وعظمائها
وَفِي اثناء ذَلِك عمل القيصر نيقولا على سبر افكار السّير هاملتن سيمور سفير انكلترا لَدَى حكومته مظْهرا لَهُ ضَرُورَة اتِّحَاد دَوْلَتِي الروسيا وانكلترا مَعًا على اضعاف نُفُوذ فرنسا فِي الشرق واخذ الاحتياطات لتجزئة بِلَاد الدول الْعلية حَيْثُ صَار من المستحيل على زعمهم شِفَاء هَذَا الْمَرِيض يَعْنِي بذلك دولتنا العثمانية المحفوظة وخوفا من تشَتت تركته بعد وَفَاته عرض عَلَيْهِ انه يتساهل مَعَ انكلترا لَو ساعدته على نَفاذ مشروعه فِي اعطائها الْقطر الْمصْرِيّ وجزيرة كريد فَلم يجبهُ السفير الانكليزي جَوَابا شافيا بل بِالْعَكْسِ اجاب القيصر ان الاولى معالجة هَذَا الْمَرِيض وتعهده بالعناية حَتَّى ينقه من مَرضه وَيعود لسابق قوته لانه لَو مَاتَ حصلت حروب تهدر فِيهَا الدِّمَاء انهارا عِنْد تَقْسِيم تركته وَلم يكن ذَلِك من الدولة الانكليزية حبا بتقوية الدولة الْعلية اَوْ شغفا ببقائها بل خوفًا من امتداد الروسيا فِي الشرق واحتلالها الاستانة فتشارك انكلترا فِي ملك الْبحار الَّذِي انْفَرَدت هِيَ بِهِ
وَمن جِهَة اخرى خابر نابليون الثَّالِث حُكُومَة الملكة فكتوريا بشأن الِاتِّحَاد مَعَ الْبَاب العالي لتنفيذ العهود السَّابِقَة المختصة بالاماكن المقدسة حَتَّى لَا ينتشر نُفُوذ الروسيا بَين رعايا الدولة الْعلية الارثوذكس الَّذين رُبمَا بلغ عَددهمْ اُحْدُ عشر مليونا من النُّفُوس لَا سِيمَا وان حماية الروسيا على اورشليم وَمَا جاورها مِمَّا يَجْعَل انكلترا فِي وَجل على اقْربْ طرقها لمستعمراتها الْهِنْدِيَّة وَهِي طَرِيق مصر فاقتنعت