وَمِمَّا زَاد فِي احوال الدولة ارتباكا تدخل الدول فِي الشؤون الداخلية ومنعها الدولة العثمانية من محاربة الثائرين بتهديدها بِقطع العلائق السياسية ونزول سفرائهم إِلَى مراكبهم بل وارسال بعض السفن الحربية لتقريرمطالب الثائرين كَمَا ارسلت فرنسا والروسيا مراكبهما فِي سنة ١٨٥٨ إِلَى سواحل الْجَبَل الاسود لمنع الجيوش العثمانية من الدُّخُول بِهَذَا الْقطر ومعاقبة اميره على مساعدة ثائري البوسنة والهرسك وَمن ذَا كُله وَمَا سَنذكرُهُ يَتَّضِح جليا ان الدولة كَانَت فِي احرج المراكز لعدم وجود مخلص لَهَا اَوْ صديق بَين جَمِيع الدول المسيحية المتألبة عَلَيْهَا سياسيا لاضعافها وعرقلة جَمِيع مساعيها الاصلاحية فِي داخلية بلادها وتداخلها فِي امورها الدَّاخِلَة الْمَحْضَة حَتَّى خيل للمتأمل ان سفراء الدول بالاستانة صَارُوا شُرَكَاء لوزراء الدولة فِي جَمِيع الاعمال
وَفِي اوائل سنة ١٨٥٨ توفّي الصَّدْر الاعظم رشيد باشا وَخَلفه فِي هَذَا المنصب الخطير خُصُوصا فِي هَذِه الظروف السياسي الشهير عالي باشا وَولى فؤاد باشا وزيرا للاشغال الخارجية وَكَانَ كل مِنْهُمَا على جَانب عَظِيم من الحذق فِي الاعمال السياسية ومتحققا من مَقَاصِد اوروبا السَّيئَة نَحْو الدولة الاسلامية الوحيدة فعملا على تَسْوِيَة جَمِيع الْمسَائِل الداخلية بحكمة وسداد رَأْي حَتَّى لم يدعا لسفراء الدول حَقًا فِي التدخل فَلم يمض طَوِيل زمن حَتَّى عَادَتْ السكينَة إِلَى بِلَاد بوسنه وهرسك لوعد اهاليها باصلاح احوالهم واستبدال العساكر الْغَيْر منتظمة الْمَوْجُودَة بهَا بجيوش منتظمة وَكَذَلِكَ انهيا بحكمتهما مَسْأَلَة الْجَبَل الاسود بتحديد التخوم بِمَعْرِِفَة لجنة مشكلة من اربعة اعضاء فرنساوي وروسي وعثماني وجبلي وقبلا قَرَار هَذِه اللجنة مَعَ اجحافه بِحُقُوق السلطنة لَكِن لما كَانَ السّكُون وانتظام الاحوال لم يروقا اصلا فِي اعين اعداء الدولة وَالَّذين القوا شباك مفاسدهم فِي جَزِيرَة كريد فاصطادوا بهَا ضِعَاف الْعُقُول