بمرضي الأول فَاحْتَجت أَيْضا إِلَى فصد الْعرق
ثمَّ لزمتني الْأَمْرَاض بعد تِلْكَ السّنة سنينا متتابعة وَرُبمَا كَانَ ذَلِك غبا سنة بعد سنة إِلَى أَن بلغت ثمانيا وَعشْرين سنة
ثمَّ إِنِّي اشتكيت شكاية شَدِيدَة ظَهرت بِي دبيلة فِي الْموضع الَّذِي يجْتَمع فِيهِ الكبد مَعَ ذيافرغما وَهُوَ الْحجاب الحاجز مَا بَين الْأَعْضَاء المتنفسة والأعضاء الفعالة للغذاء فعزمت حِينَئِذٍ على نَفسِي أَن لَا أقرب بعد ذَلِك شَيْئا من الْفَاكِهَة الرّطبَة إِلَّا مَا كَانَ من التِّين وَالْعِنَب وَهَذَانِ إِذا كَانَا نضيجين
وَتركت الْإِكْثَار مِنْهُمَا أَيْضا فَوق الْقدر والطاقة
وَكنت أتناول مِنْهُمَا قدرا وَلَا أجاوزه
وَقد كَانَ لي أَيْضا صَاحب أمس مني فوافقني وواساني فِي الْعَزْم الَّذِي عزمت عَلَيْهِ من ترك الْفَاكِهَة والتباعد فألزمنا أَنْفُسنَا الضمور وتوقي التخم والشبع من الأغذية فبقينا جمعيا مَعًا بِغَيْر وجع وَلَا سقم إِلَى يَوْمنَا هَذَا سنينا كَثِيرَة
ثمَّ لما رَأَيْت ذَلِك عَمَدت إِلَى أخلائي وأخداني ومحبي من إخْوَانِي فألزمتهم الضمور والغذاء بِقدر واعتدال فصحوا وَلم يعرض لَهُم شَيْء مِمَّا أكره إِلَى يومي هَذَا فَمنهمْ من لَزِمته الصِّحَّة إِلَى يَوْمنَا هَذَا خمْسا وَعشْرين سنة وَمِنْهُم من لَزِمته الصِّحَّة خمس عشر وَمِنْهُم من لَزِمته السَّلامَة أقل من ذَلِك وَأكْثر من أَطَاعَنِي وَلزِمَ الْغذَاء على قدر مَا قدرت لَهُ من ذَلِك وتباعد من الْفَاكِهَة الرّطبَة وَغَيرهَا من الأغذية الرَّديئَة الكيموسات
وَقَالَ فِي كِتَابه فِي علاج التشريح بِأَنَّهُ دخل رُومِية فِي الْمرة الأولى فِي ابْتِدَاء ملك أنطونينوس الَّذِي ملك بعد أدريانوس وصنف كتابا فِي التشريح لبواثيوس المظفر الَّذِي كَانَ واليا على الرّوم عِنْدَمَا أَرَادَ أَن يخرج من مَدِينَة رُومِية إِلَى مدينته الَّتِي يُقَال لَهَا بطولومايس وَسَأَلَهُ أَن يزوده كتابا فِي التشريح
وصنف أَيْضا فِي التشريح مقالات وَهُوَ مُقيم بِمَدِينَة سمرنا عِنْد باليس معلمه الثَّانِي بعد ساطورس تلميذ قوينطوس
وَمضى إِلَى قورنتوس بِسَبَب إِنْسَان آخر مَذْكُور كَانَ تلميذا لقونطس يُقَال لَهُ أفقيانوس
وَسَار إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة لما سمع أَن هُنَاكَ جمَاعَة مذكورين من تلامذة قونطوس وَمن تلامذة نوميسيانوس
ثمَّ رَجَعَ إِلَى موطنه فرغامس من بِلَاد آسيا ثمَّ سَار إِلَى رُومِية وَشرح برومية قُدَّام بواثيوس وَكَانَ يحضرهُ دَائِما أوذيموس الفيلسوف من فرقة الْمَشَّائِينَ وَقد كَانَ يحضرهم الَّذِي يتَوَلَّى فِي مَدِينَة رُومِية وَهُوَ سرجيوس بولوس فَإِنَّهُ فِي أُمُور الْحِكْمَة كلهَا كَانَ أولى بالْقَوْل وَالْفِعْل جَمِيعًا
وَقَالَ جالينوس فِي بعض كتبه أَنه دخل الْإسْكَنْدَريَّة فِي أول دفْعَة وَرجع عَنْهَا إِلَى فرغامس موطنه وموطن آبَائِهِ وعمره ثَمَان وَعِشْرُونَ سنة
وَقَالَ فِي كِتَابه فِي فينكس كتبه إِنَّه كَانَ رُجُوعه من رُومِية إِلَى بِلَاده وَقد مضى من عمره سبع وَثَلَاثُونَ سنة
وَقَالَ فِي كِتَابه فِي نفي الْغم أَنه احْتَرَقَ لَهُ فِي الخزائن الْعُظْمَى الَّتِي كَانَت للْملك بِمَدِينَة رُومِية كتب كَثِيرَة وأثاث لَهُ قدر بمبلغ عَظِيم
وَكَانَ بعض النّسخ الْمُحْتَرِقَة بِخَط أرسطوطاليس وَبَعضهَا بِخَط أنكساغورس وأندروماخس وَصحح قرَاءَتهَا على معلميه الثِّقَات وعَلى من رَوَاهَا عَن أفلاطون
وسافر إِلَى مدن بعيدَة حَتَّى صحّح أَكْثَرهَا
وَذكر أَن من جملَة مَا ذهب لَهُ فِي هَذَا الْحَرِيق أَيْضا أَشْيَاء كَثِيرَة قد ذكرهَا فِي كِتَابه يطول حصرها