وَإِذا سُئِلَ عَمَّا يصدر عَنهُ ذكر أَنه يلقى على لِسَانه وَفِي خاطره فِي الْيَقَظَة وَبَين النّوم واليقظة مَا لم ير فِيهِ
وَإِذا سُئِلَ عَن شَيْء رَأَيْته كَأَنَّهُ يَقْتَضِي الْجَواب من غَيره وَلَا يفكر فِيهِ تفكير الْقَادِر عَلَيْهِ والمستنبط لَهُ
وَإِذا وجدوه فسيجمع لَهُم إِلَى مَا تقرر من وَصفه أَعَاجِيب تظهر على لِسَانه وَيَده
فَجمع سَبْعَة نفر وأضاف إِلَيْهِم أمثل من وجد من الفلاسفة فَخَرجُوا يلتمسونه
فوجدوه على مَسَافَة خَمْسَة أَيَّام من مُسْتَقر مارينوس فِي قَرْيَة قد خرج أَكثر أَهلهَا عَنْهَا وَسَكنُوا قَرِيبا من مَدِينَة مارينوس لما آثروه من لين جواره وَكَثْرَة الِانْتِفَاع بِهِ
وَلم يبْق فِيهَا إِلَّا نفر من الزهاد قد قعدوا عَن الِاكْتِسَاب ومشايخ وزمنى خَلفهم الْجهد
وَهُوَ بَينهم فِي منزل شعث وحول الْمنزل جمَاعَة من هَؤُلَاءِ الْقَوْم قد شغفهم جواره وألهاهم عَن الحظوظ الَّتِي وصل إِلَيْهَا غَيرهم
فَتَلقاهُمْ أهل الْقرْيَة بالترحيب
وسألوهم عَن سَبَب دُخُولهمْ قريتهم الشعثة الَّتِي لَيْسَ فِيهَا مَا يحبس أمثالهم عَلَيْهِ فَقَالُوا رغبنا فِي لِقَاء هَذَا الرجل ومشاركتكم فِي فَوَائده
وسألوهم عَن وَقت خلوته فَقَالُوا مَا لَهُ شَيْء يشْغلهُ عَنْكُم
فدخلو إِلَيْهِ فوجدوه مختبيا بَين جمَاعَة قد غضوا أَبْصَارهم من هيبته
فَلَمَّا رَآهُ السَّبْعَة نفر سبقتهم الْعبْرَة وغمرتهم الهيبة وَمَعَهُمْ الفيلسوف مُمْسك لنَفسِهِ ومتهم لحسه يُرِيد أَن يستبرئ أمره
فَسَلمُوا عَلَيْهِ فَرد عَلَيْهِم السَّلَام ردا ضَعِيفا وَهُوَ كالناعس المتحير
ثمَّ زَاد نعاسه حَتَّى كَادَت حبوته أَن تنْحَل فَلَمَّا تبين من حوله مَا تغشاه غضوا أَبْصَارهم ووقفوا وقُوف الْمُصَلِّي فَقَالَ يَا رسل الخاطئ الَّذِي ملك جُزْءا من عالمي فَنظر إِلَى صَلَاحه فِي سوق الْخيرَات الجسدية إِلَيْهِ فأفسده بِمَا غمره مِنْهَا
وَكَانَ سَبيله سَبِيل من وكل بِجُزْء من بُسْتَان كثير الزهر وَالثِّمَار فصرف إِلَيْهِ أَكثر من حِصَّته من مَاء ذَلِك الْبُسْتَان وَظن أَنه أصلح لَهُ فَكَانَ مَا زَاده مِنْهُ على صِحَّته نَاقِصا من طعوم ثماره وروائح أزهاره وسببا لجفاف أَشجَار جُزْء جُزْء مِنْهُ وتصويح نبته
فَلَمَّا سمع السَّبْعَة نفر هَذَا لم يملكُوا أنفسهم حَتَّى قَامُوا مَعَ أُولَئِكَ فوقفوا وقُوف الْمُصَلِّين
قَالَ الفيلسوف فَبَقيت جَالِسا خَارِجا عَن جُمْلَتهمْ لاستبرئ أمره وأتقصى عجائبه فصاح بِي أَيهَا الْحسن الظَّن بِنَفسِهِ الَّذِي كَانَ أقْصَى مَا لحقه أَن سلك بفكره بَين المحسوسات الْجُزْئِيَّة والمعقولات الْكُلية واستخلص مِنْهَا علما وقف بِهِ على طبائع المحسوسات وَمَا قرب مِنْهَا فَظن أَنه