الْأَبدَان تألف الْأَدْوِيَة حَتَّى تمنعها من فعلهَا فَهِيَ للأغذية وَإِن كَانَت رَدِيئَة أَشد إلفا
قَالَ يُوسُف فَحدثت بِهَذَا الحَدِيث بختيشوع بن جِبْرَائِيل فَسَأَلَنِي إملاءه عَلَيْهِ وَكتبه عني بِخَطِّهِ
قَالَ يُوسُف بن إِبْرَاهِيم حَدثنِي سُلَيْمَان الْخَادِم الْخُرَاسَانِي مولى الرشيد إِنَّه كَانَ وَاقِفًا على رَأس الرشيد بِالْحيرَةِ يَوْمًا وَهُوَ يتغدى إِذْ دخل عَلَيْهِ عون الْعَبَّادِيّ الْجَوْهَرِي وَهُوَ حَامِل صَحْفَة فِيهَا سَمَكَة منعوتة بالسمن فوضعها بَين يَدَيْهِ وَمَعَهَا محشي قد اتَّخذهُ لَهَا
فحاول الرشيد أكل شَيْء مِنْهَا فَمَنعه من ذَلِك جِبْرَائِيل وغمز صَاحب الْمَائِدَة بعزلها لَهُ
وفطن الرشيد فَلَمَّا رفعت الْمَائِدَة وَغسل الرشيد يَده خرج جِبْرَائِيل عَن حَضرته
قَالَ سُلَيْمَان فَأمرنِي الرشيد باتباعه وإخفاء شخصي عَنهُ وَأَن اتفقد مَا يعمله وارجع إِلَيْهِ بِخَبَرِهِ فَفعلت مَا أَمرنِي بِهِ وأحسب أَن أَمْرِي لم يسْتَتر عَن جِبْرَائِيل لما تبينت من تحرزه
فَصَارَ إِلَى مَوضِع من دَار عون ودعا بِالطَّعَامِ فأحضر لَهُ وَفِيه السَّمَكَة ودعا بِثَلَاثَة أقداح من فضَّة فَجعل فِي وَاحِد قِطْعَة مِنْهَا وصب عَلَيْهِ خمرًا من خمر طيرناباذ بِغَيْر مَاء وَقَالَ هَذَا أكل جِبْرَائِيل
وَجعل فِي قدح آخر قِطْعَة وصب عَلَيْهَا مَاء بثلج وَقَالَ هَذَا أكل أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن لم يخلط السّمك بِغَيْرِهِ
وَجعل فِي الْقدح الثَّالِث قِطْعَة من السّمك وَمَعَهَا قطعا من اللَّحْم من ألوان مُخْتَلفَة وَمن شواء وحلواء وبوارد وفراريج وَبقول وصب عَلَيْهِ مَاء بثلج وَقَالَ هَذَا طَعَام أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن خلط السّمك بِغَيْرِهِ
وَرفع الثَّلَاثَة الأقداح إِلَى صَاحب الْمَائِدَة وَقَالَ احتفظ بهَا إِلَى أَن ينتبه أَمِير الْمُؤمنِينَ من قائلته
قَالَ سُلَيْمَان الْخَادِم ثمَّ أقبل جِبْرَائِيل على السَّمَكَة فَأكل مِنْهَا حَتَّى تضلع
وَكَانَ كلما عَطش دَعَا بقدح مَعَ الْخمر الصّرْف فشربه ثمَّ نَام
فَلَمَّا انتبه الرشيد من نَومه دَعَاني فَسَأَلَنِي عَمَّا عِنْدِي من خبر جِبْرَائِيل وَهل أكل من السَّمَكَة شَيْئا أم لم يَأْكُل فَأَخْبَرته بالْخبر فَأمر بإحضار الثَّلَاثَة الأقداح فَوجدَ الَّذِي صب عَلَيْهِ الْخمر الصّرْف قد تفتت وَلم يبْق مِنْهُ شَيْء
وَوجد الَّذِي صب عَلَيْهِ المَاء بالثلج قد رَبًّا وَصَارَ على أَكثر من الضعْف مِمَّا كَانَ وَوجد الْقدح الَّذِي السّمك وَاللَّحم فِيهِ قد تَغَيَّرت رَائِحَته وَحدثت لَهُ سهوكة شَدِيدَة
فَأمرنِي الرشيد بِحمْل خَمْسَة آلَاف دِينَار إِلَى جِبْرَائِيل وَقَالَ من يلومني على محبَّة هَذَا الرجل الَّذِي يدبرني هَذَا التَّدْبِير
فأوصلت إِلَيْهِ المَال
وَقَالَ إِسْحَق بن عَليّ الرهاوي فِي كتاب أدب الطَّبِيب عَن عِيسَى بن ماسة أَن يوحنا