مَجِيء الْمَسِيح وَأَنه قد كَانَ وأبطل انتظارهم لَهُ وَمِنْهَا صِحَة القربان بالخبز وَالْخمر وَعمل مقالات أخر كَثِيرَة صغَارًا مِنْهَا لم جعل من الْخمر قرْبَان وَأَصله محرم وَأَبَان علل التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم
وَعرض لَهُ أَن سَافر إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَصَامَ بِهِ يَوْمًا وَاحِدًا وَعَاد مِنْهُ إِلَى دمشق واتصل خَبره بالعزيز رَحمَه الله وكوتب من الحضرة بِكِتَاب جميل فاحتج أَن لَهُ بِبَغْدَاد أَشْيَاء يمْضِي وينجزها وَيعود إِلَى الحضرة قَاصِدا ليفوز بِحَق الْقَصْد فحين عَاد إِلَى بَغْدَاد أَقَامَ بهَا وَعدل عَن الْمُضِيّ إِلَى مصر
ثمَّ إِن ملك الديلم أنفذ خَلفه واستدعاه فَعِنْدَ حُصُوله بِالريِّ وقف بهَا نُسْخَة من كناشة الْكَبِير
قَالَ وَبَلغنِي أَن البيمارستان يعْمل بهَا وَأَنه يعرف بِهِ بَين أطبائهم إِذا ذكر أَبُو عِيسَى صَاحب الكناش
وَأقَام عِنْد ملك الديلم مُدَّة ثَلَاث سِنِين وَخرج من عِنْده على سَبِيل الْغَضَب وَكَانَ قد حلف لَهُ بِالطَّلَاق أَنه مَتى اخْتَار الِانْصِرَاف لَا يمنعهُ فَلم يُمكنهُ رده
وَجَاء إِلَى بَغْدَاد وَأقَام بهَا مُدَّة
ثمَّ أَنه استدعي إِلَى الْموصل إِلَى حسام الدولة فعالجه من مرض كَانَ بِهِ
وَجرى لَهُ مَعَه شَيْء استعظمه وَكَانَ أبدا يُعِيدهُ عَنهُ
وَذَلِكَ أَنه كَانَت لَهُ امْرَأَة عليلة بِمَرَض حاد فَأَشَارَ بِحِفْظ القارورة وَاتفقَ أَنه عِنْد حسان الدولة وَقَالَ لَهُ هَذِه الأمرأة تَمُوت فانزعج لذَلِك وَنظرت الْجَارِيَة إِلَى انزعاجه وصرخت وخرقت ثِيَابهَا وَوَلَّتْ فاستدعاها فِي الْحَال وَقَالَ لَهَا جرى فِي أَمر هَذِه الأمرأة شَيْء لَا أعلمهُ فَحَلَفت أَنَّهَا لم تجَاوز التَّدْبِير
فَقَالَ لَعَلَّكُمْ خضبتموها بِالْحِنَّاءِ قَالَت قد كَانَ ذَلِك
فحرد وَقَالَ لِلْجَارِيَةِ أقوالا ثمَّ قَالَ لحسام الدولة أبشر بعد ثَلَاثَة أَيَّام تَبرأ فَكَانَ كَمَا قَالَ فَعظم هَذَا عِنْده وَكَانَ أبدا يُعِيدهُ ويتعجب مِنْهُ
وَلما عَاد إِلَى بَغْدَاد كَانَ العميد لَا يُفَارِقهُ ويلازمه ويبايته فِي دَار الوزارة لأجل الْمَرَض الَّذِي كَانَ بِهِ وحظي لَدَيْهِ
ثمَّ أَن الْأَمِير ممهد الدولة أنفذ إِلَيْهِ ولاطفه حَتَّى أصعد إِلَى ميافارقين فَلَمَّا وصل إِلَيْهِ أكْرمه الْإِكْرَام الْمَشْهُور عِنْد كل من كَانَ يرَاهُ
وَمن لطيف مَا جرى لَهُ مَعَه أَنه أول سنة ورد فِيهَا سقى الْأَمِير دَوَاء مسهلا وَقَالَ لَهُ يجب أَن تَأْخُذ الدَّوَاء سحرًا فَعمد الْأَمِير وَأَخذه أول اللَّيْل فَلَمَّا أصبح ركب إِلَى دَاره وَوصل إِلَيْهِ وَأخذ نبضه وَسَأَلَهُ عَن الدَّوَاء فَقَالَ لَهُ مَا عمل معي شَيْئا امتحانا لَهُ فَقَالَ جِبْرَائِيل النبض يدل على نَفاذ دَوَاء الْأَمِير وَهُوَ أصدق
فَضَحِك ثمَّ قَالَ لَهُ كم ظَنك بالدواء فَقَالَ يعْمل مَعَ الْأَمِير خَمْسَة وَعشْرين مَجْلِسا وَمَعَ غَيره زَائِدا وناقصا
فَقَالَ لَهُ
عمل معي إِلَى الْآن ثَلَاثَة وَعشْرين مَجْلِسا فَقَالَ وَهُوَ يعْمل تَمام مَا قلت لَك
ورتب مَا يَسْتَعْمِلهُ وَخرج من عِنْده مغضبا وَأمر أَن يشد رَحْله وَيصْلح أَسبَاب الِانْصِرَاف
فَبلغ ممهد الدولة ذَلِك وانفذ إِلَيْهِ يستعلم خبر انْصِرَافه
فَقَالَ مثلي لَا يجرب لأنني أشهر من أَن احْتَاجَ إِلَى تجربة
فأرضاه وَحمل إِلَيْهِ بغلة ودراهم لَهَا قدر
وَفِي هَذِه الْمدَّة كَاتبه ملك الديلم بكتب جميلَة يسْأَله فِيهَا الزِّيَارَة وَكَاتب ممهد الدولة يسْأَله فِي ذَلِك
فَمنع من الْمُضِيّ وَأقَام فِي الْخدمَة ثَلَاث سِنِين وَتُوفِّي يَوْم الْجُمُعَة ثامن شهر رَجَب من شهور سنة