وَإِلَّا فَقُمْ من هَهُنَا
فَقَالَ لَهُ يَا سَيِّدي أحسن وأجيد
فَقَالَ لَهُ ادخل معي حَتَّى تعالجني
فَدخل مَعَه وقلب جفْنه وكحله وسكب على رَأسه وسعطه
فَنَامَ الْخَادِم وهدأ
فَلَمَّا أصبح أنفذ إِلَى ماسويه جونة فِيهَا خبز سميد وجدي ودجاجة وحلوى ودنانير ودراهم وَقَالَ لَهُ هَذَا لَك فِي كل يَوْم وَالدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير رزقك مني فِي كل شهر
فَبكى ماسويه فَرحا فَتوهم الرَّسُول أَنه قد استقله فَقَالَ لَهُ لَا تغتم فَإِنَّهُ يزيدك وَيحسن إِلَيْك
فَقَالَ لَهُ يَا سَيِّدي رضيت مِنْهُ بِهَذَا إِن يدره على الْأَيَّام
فَلَمَّا رَجَعَ عرف الْخَادِم مَا كَانَ مِنْهُ فَعجب مِنْهُ وبرأ الْخَادِم على يَدَيْهِ
وَلم يمض إِلَّا أَيَّام يسرة حَتَّى اشتكت عين الْفضل فنفذ إِلَيْهِ جِبْرَائِيل الكحالين فَلم يزَالُوا يعالجونه فَلم ينْتَفع بهم فَأدْخل الْخَادِم ماسويه إِلَيْهِ لَيْلًا فَلم يزل يكحله إِلَى ثلث اللَّيْل ثمَّ سقَاهُ دَوَاء مسهلا فصلح بِهِ
ثمَّ حضر جِبْرَائِيل فَقَالَ لَهُ الْفضل يَا أَبَا عِيسَى أَن هَهُنَا رجلا يُقَال لَهُ ماسويه من أفره النَّاس وأعرفهم بالكحل فَقَالَ لَهُ وَمن هَذَا لَعَلَّه الَّذِي يجلس بِالْبَابِ فَقَالَ لَهُ نعم
قَالَ جِبْرَائِيل هَذَا كَانَ أكارا لي فَلم يصلح للكروث فطردته وَقد صَار الْآن طَبِيبا وَمَا عالج الطِّبّ قطّ فَإِن شِئْت فَأحْضرهُ وَأَنا حَاضر
وتوهم جِبْرَائِيل أَنه يدْخل وَيقف بَين يَدَيْهِ ويتذلل لَهُ
فَأمر الْفضل بإحضاره فَدخل وَسلم وَجلسَ بحذاء جِبْرَائِيل
فَقَالَ لَهُ جِبْرَائِيل يَا ماسويه أصرت طَبِيبا فَقَالَ لَهُ لم أزل طَبِيبا أَنا أخدم البيمارستان مُنْذُ ثَلَاثِينَ سنة تَقول لي هَذَا القَوْل فَفَزعَ جِبْرَائِيل أَن يزِيد فِي الْمَعْنى فبادر وَانْصَرف فِي الْحَال وَهُوَ خجل
وأجرى الْفضل على ماسويه فِي كل شهر سِتّمائَة دِرْهَم وعلوفة دابتين وَنزل خَمْسَة غلْمَان وَأمره أَن يحمل عِيَاله من جندي سَابُور وَأَعْطَاهُ نَفَقَة وَاسِعَة
فَحمل عِيَاله ويوحنا ابْنه حِينَئِذٍ وَهُوَ صبي
فَمَا مَضَت إِلَّا أَيَّام حَتَّى اشتكت عين الرشيد فَقَالَ لَهُ الْفضل يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ طبيبي ماسويه من أحذق النَّاس بالكحل
وَشرح لَهُ قصَّته وَمَا كَانَ من أَمر خادمه وَأمر نَفسه
فَأمر الرشيد بإحضاره فأحضر ماسويه فَقَالَ لَهُ تحسن شَيْئا من الطِّبّ سوى الْكحل فَقَالَ نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَكَيف لَا أحسن وَأَنا قد خدمت المرضى بالبيمارستان مُنْذُ ثَلَاثِينَ سنة فأدناه مِنْهُ وَنظر عَيْنَيْهِ فَقَالَ الْحجام السَّاعَة
فحجمه على سَاقيه وقطر فِي عَيْنَيْهِ فبرأ بعد يَوْمَيْنِ
فَأمر بِأَن يجْرِي عَلَيْهِ ألفا دِرْهَم فِي الشَّهْر ومعونة فِي السّنة عشرُون ألف دِرْهَم وعلوفة وَنزل وألزمه الْخدمَة مَعَ جِبْرَائِيل وَسَائِر من كَانَ فِي الْخدمَة من المتطببين
وَصَارَ نظيرا لجبرائيل بل كَانَ فِي ذَلِك الْوَقْت يحضر بِحُضُورِهِ ويصل بوصوله ودونه فِي الرزق لِأَن جِبْرَائِيل كَانَ لَهُ فِي الشَّهْر عشرَة آلَاف دِرْهَم ومعونة فِي السّنة مائَة ألف دِرْهَم وصلات دائمة وإقطاعات
ثمَّ أَنه اعتلت بانوا أُخْت الرشيد فَلم يزل جِبْرَائِيل يعالجها بأنواع العلاج فَلم تنْتَفع فَاغْتَمَّ بهَا