للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فاجتمعت ويوحنا بن ماسويه عِنْد أبي الْعَبَّاس بعد موافاة الْمَأْمُون بِمَدِينَة السَّلَام بِثَلَاثَة أَيَّام

وجمعتنا الزبيدية عِنْد انصرافنا فَسَأَلَنِي عَن عهدي بجبرائيل فأعلمته إِنِّي لم أره مُنْذُ اجْتَمَعنَا بالعلث ثمَّ قلت لَهُ قد شنعت عِنْده

فَقَالَ

بِمَاذَا فَقلت لَهُ بلغه أَنَّك تَقول أَنا أعلم من جالينوس

فَقَالَ على من ادّعى عَليّ هَذِه الدعْوَة لَعنه الله وَالله مَا صدق مؤدي هَذَا الْخَبَر وَلَا بر

فسرى ذَلِك من قَوْله مَا كَانَ فِي قلبِي وأعلمته أَنِّي أزيل عَن قلب جِبْرَائِيل مَا تأدى إِلَيْهِ من الْخَبَر الأول

فَقَالَ لي افْعَل نشدتك الله وَقرر عِنْده مَا أَقُول وَهُوَ مَا كنت أقوله فحرف عِنْده

فَسَأَلته عَنهُ فَقَالَ إِنَّمَا قلت لَو أَن بقراط وجالينوس عاشا إِلَى أَن يسمعا قولي فِي الطِّبّ وصفاتي لسألا ربهما أَن يبدلهما بِجَمِيعِ حواسهما من الْبَصَر والشم والذوق واللمس حسا سمعيا يضيفانه إِلَى مَا مَعَهُمَا من حس السّمع ليسمعا حكمي ووصفي

فأسألك بِاللَّه أما أدّيت هَذَا القَوْل عني إِلَيْهِ

فاستعفيته من إِلْقَاء هَذَا الْخَبَر عَنهُ فَلم يعفني

فأديت إِلَى جِبْرَائِيل الْخَبَر وَقد كَانَ أصبح فِي ذَلِك الْيَوْم مفرقا من علته فتداخله من الغيظ والضجر مَا تخوفت عَلَيْهِ مِنْهُ النكسة وَأَقْبل يَدْعُو على نَفسه وَيَقُول هَذَا جَزَاء من وضع الصنيعة فِي غير موضعهَا وَهَذَا جَزَاء من اصْطنع السّفل وَأدْخل فِي مثل هَذِه الصِّنَاعَة الشَّرِيفَة من لَيْسَ من أَهلهَا

ثمَّ قَالَ هَل عرفت السَّبَب فِي يوحنا وَأَبِيهِ فَأَخْبَرته أَنِّي لَا أَعْرفهُمَا

فَقَالَ لي إِن الرشيد أَمرنِي باتخاذ بيمارستان وأحضرت دهشتك رَئِيس بيمارستان جندي سَابُور لتقليده البيمارستان الَّذِي أمرت باتخاذه فَامْتنعَ من ذَلِك

وَذكر أَن السُّلْطَان لَيست لَهُ عَلَيْهِ أرزاق جَارِيَة وَأَنه إِنَّمَا يقوم ببيمارستان جندي سَابُور وميخائيل ابْن أَخِيه حسبَة

وَتحمل عَليّ بطيمانيوس الجاثليق فِي إعفاءه وَابْن أَخِيه فأعفيتهما

فَقَالَ لي أما إِذْ قد أعفيتني فَإِنِّي أهدي إِلَيْك هَدِيَّة ذَات قدر يحسن بك قبُولهَا وتكثر مَنْفَعَتهَا لَك فِي هَذَا البيمارستان

فَسَأَلته عَن الْهَدِيَّة فَقَالَ لي إِن صَبيا كَانَ مِمَّن يدق الْأَدْوِيَة عندنَا مِمَّن لَا يعرف لَهُ أَب وَلَا قرَابَة أَقَامَ فِي البيمارستان أَرْبَعِينَ سنة وَقد بلغ الْخمسين سنة أَو جاوزها وَهُوَ لَا يقْرَأ حرفا وَاحِدًا بِلِسَان من الْأَلْسِنَة إِلَّا أَنه قد عرف الأدواء دَاء دَاء وَمَا يعالج بِهِ كل دَاء

وَهُوَ أعلم خلق الله بانتقاد الْأَدْوِيَة وَاخْتِيَار جيدها وَنفي رديها

فَأَنا أهديه لَك فاضممه إِلَى من أَحْبَبْت من تلامذتك

ثمَّ قلد تلميذك البيمارستان فَإِن أُمُوره تخرج على أحسن من مخرجها لَو قلدتني هَذَا البيمارستان

فأعلمته أَنِّي قد قبلت الْهَدِيَّة وَانْصَرف دهشتك إِلَى بَلَده وأنفذ إِلَيّ الرجل فَأدْخل عَليّ فِي زِيّ الرهبان وكشفته فَوَجَدته على مَا حكى لي عَنهُ

وَسَأَلته عَن اسْمه فَأَخْبرنِي أَن اسْمه ماسويه

وَكنت فِي خدمَة الرشيد وداؤد بن سرابيون مَعَ أم جَعْفَر

وَكَانَ الْمنزل الَّذِي ينزله ماسويه يبعد عَن منزلي وَيقرب من منزل داؤد بن سرابيون

وَكَانَ فِي داؤد دعابة وبطالة وَكَانَ فِي ماسويه ضعف من ضعف السّفل فيستطيبه كل بطال

فَمَا مضى بمساويه إِلَّا يسير حَتَّى صَار إِلَيّ وَقد غير زيه وَلبس الثِّيَاب الْبيض فَسَأَلته عَن خَبره فَأَعْلمنِي أَنه قد عشق جَارِيَة لداؤد بن سرابيون صقلبية يُقَال لَهَا رِسَالَة وسألني ابتياعها لَهُ فابتعتها لَهُ بثمانمائة دِرْهَم ووهبتها لَهُ فأولدها يوحنا وأخاه

ثمَّ رعيت لماسويه ابتياعي لَهُ رِسَالَة وَطَلَبه مِنْهَا النَّسْل وصيرت وَلَده كَأَنَّهُمْ ولد قرَابَة لي وعنيت بِرَفْع أقدارهم وتقديمهم على أَبنَاء أَشْرَاف أهل هَذِه المهنة وعلمائهم ثمَّ رتبت ليوحنا وَهُوَ غُلَام الْمرتبَة الشَّرِيفَة ووليته البيمارستان وَجَعَلته رَئِيس تلامذتي فَكَانَت

<<  <   >  >>