أَبَا عُثْمَان وَانْظُر مَا يكون فِي غَد
فَأكل أَبُو عُثْمَان نصْرَة لدعواه ففلج فِي ليلته فَقَالَ هَذِه وَالله نتيجة الْقيَاس الْمحَال
وَالَّذِي ضلل أَبَا عُثْمَان اعْتِقَاده أَن السّمك من طبع اللَّبن
وَلَو سامحناه فِي أَنَّهُمَا من طبع وَاحِد لَكَانَ لامتزاجهما قُوَّة لَيست لأَحَدهمَا
وَقَالَ الشَّيْخ أَحْمد بن عَليّ ثَابت الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ عَن الْحُسَيْن بن فهم قَالَ قدم علينا مُحَمَّد بن سَلام صَاحب طَبَقَات الشُّعَرَاء وَهُوَ الجُمَحِي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ فاعتل عِلّة شَدِيدَة فَمَا تخلف عَنهُ أحد وَأهْدى إِلَيْهِ أجلاء أطبائهم فَكَانَ ابْن ماسويه مِمَّن أهدي إِلَيْهِ فَلَمَّا جسه وَنظر إِلَيْهِ قَالَ مَا أرى من الْعلَّة مَا أرى من الْجزع
فَقَالَ وَالله مَا ذَاك لحرص على الدُّنْيَا مَعَ اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ سنة وَلَكِن الْإِنْسَان فِي غَفلَة حَتَّى يوقظ بعلة وَلَو وقفت بِعَرَفَات وَقْفَة وزرت قبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زورة وقضيت أَشْيَاء فِي نَفسِي لرأيت مَا اشْتَدَّ عَليّ من هَذَا قد سهل
فَقَالَ لَهُ ابْن ماسويه فَلَا تجزع فقد رَأَيْت فِي عرقك من الْحَرَارَة الغريزية وقوتها مَا أَن سلمك الله من هَذِه الْعَوَارِض بلغك عشر سِنِين أُخْرَى
قَالَ الْحُسَيْن بن فهم فَوَافَقَ كَلَامه قدرا فَعَاشَ عشر سِنِين بعد ذَلِك
وَحدث الصولي فِي كتاب الأوراق قَالَ كَانَ الْمَأْمُون نازلا على البدندون نهر من أَعمال طرسوس فَجَلَسَ يَوْمًا وَأَخُوهُ المعتصم عَلَيْهِ وَجعلا أرجلهما فِيهِ استبرادا لَهُ وَكَانَ أبرد المَاء وأرقه وألذه
فَقَالَ الْمَأْمُون للمتعصم أَحْبَبْت السَّاعَة من أزاذ الْعرَاق آكله وأشرب من هَذَا المَاء الْبَارِد عَلَيْهِ وَسمع صَوت حَلقَة الْبَرِيد وأجراسه فَقيل هَذَا يزِيد بن مقبل بريد الْعرَاق فأحضر طبقًا من فضَّة فِيهِ رطب أزاذ فَعجب من تمنيه وَمَا تمّ لَهُ
فأكلا وشربا من المَاء ونهضا وتودع الْمَأْمُون وَأقَام ثمَّ نَهَضَ محموما وفصد فظهرت فِي رقبته نفخة كَانَت تعتاده ويراعيها الطَّبِيب إِلَى أَن تنضج وتفتح وتبرأ
فَقَالَ المعتصم للطبيب وَهُوَ ابْن ماسويه مَا أطرف مَا نَحن فِيهِ تكون الطَّبِيب الْمُفْرد المتوحد فِي صناعتك وَهَذِه النفخة تعتاد أَمِير الْمُؤمنِينَ فَلَا تزيلها عَنهُ وتتلطف فِي حسم مادتها حَتَّى لَا ترجع إِلَيْهِ وَالله لَئِن عَادَتْ هَذِه الْعلَّة عَلَيْهِ لَأَضرِبَن عُنُقك
فاستطرق ابْن ماسويه لقَوْل المعتصم وَانْصَرف فَحدث بِهِ بعض من يَثِق بِهِ ويأنس إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ تَدْرِي مَا قصد المعتصم قَالَ لَا
قَالَ قد أَمرك بقتْله حَتَّى لَا تعود النفخة إِلَيْهِ وَإِلَّا فَهُوَ يعلم أَن الطَّبِيب لَا يقدر على دفع الْأَمْرَاض عَن الْأَجْسَام وَإِنَّمَا قَالَ لَك لَا تَدعه يعِيش ليعود الْمَرَض عَلَيْهِ
فتعالل ابْن ماسويه وَأمر تلميذا لَهُ بمشاهدة النفخة والتردد إِلَى الْمَأْمُون نِيَابَة عَنهُ والتلميذ يَجِيئهُ كل يَوْم ويعرفه حَال الْمَأْمُون وَمَا تجدّد لَهُ فَأمره بِفَتْح النفخة فَقَالَ لَهُ أُعِيذك بِاللَّه مَا أحمرت وَلَا بلغت إِلَى حد الْجرْح فَقَالَ لَهُ امْضِ وافتحها كَمَا أَقُول لَك وَلَا تراجعني فَمضى وَفتحهَا وَمَات الْمَأْمُون رَحمَه الله
أَقُول إِنَّمَا فعل ابْن ماسويه ذَلِك لكَونه عديما للمروءة وَالدّين وَالْأَمَانَة وَكَانَ على غير مِلَّة