الْبَغْدَادِيّ
وَكَانَ قصد حنين بذلك تَعْظِيم حجم الْكتاب وتكثير وَزنه لأجل مَا يُقَابل بِهِ من وَزنه دَرَاهِم وَكَانَ ذَلِك الْوَرق يَسْتَعْمِلهُ بِالْقَصْدِ وَلَا جرم أَن لغلظه بَقِي هَذِه السنين المتطاولة من الزَّمَان
قَالَ حنين وَإِنَّمَا ذكرت سَائِر مَا تقدم ذكره ليعلم الْعَاقِل أَن المحن قد تنزل بالعاقل وَالْجَاهِل والشديد والضعيف وَالْكَبِير وَالصَّغِير
وَأَنَّهَا وَإِن كَانَت لَا شكّ وَاقعَة بِهَذِهِ الطَّبَقَات الَّتِي ذكرنَا فَمَا سَبِيل الْعَاقِل أَن ييأس من تفضل الله عَلَيْهِ بالخلاص مِمَّا بلي بِهِ بل يَثِق وَبِحسن ثقته بخالقه وَيزِيد فِي تَعْظِيمه وتمجيده
فَالْحَمْد لله الَّذِي من عَليّ بتجديد الْحَيَاة وأظهرني على أعدائي الظَّالِمين لي وَجَعَلَنِي أفضلهم رُتْبَة وَأَكْثَرهم حَالا حمدا جَدِيدا دَائِما وَهَذَا جملَة قَول حنين بن إِسْحَق بِلَفْظِهِ
وَمن كَلَام حنين قَالَ اللَّيْل نَهَار الأديب
ولحنين بن إِسْحَق من الْكتب كتاب الْمسَائِل وَهُوَ الْمدْخل إِلَى صناعَة الطِّبّ لِأَنَّهُ قد جمع فِيهِ جملا وجوامع تجْرِي مجْرى المبادئ والأوائل لهَذَا الْعلم وَلَيْسَ جَمِيع هَذَا الْكتاب لحنين بل أَن تِلْمِيذه الأعسم حبيشا تممه
وَلِهَذَا قَالَ ابْن أبي صَادِق فِي شَرحه لَهُ أَن حنينا جمع مَعَاني هَذَا الْكتاب فِي طروس ومسودات بيض مِنْهَا الْبَعْض فِي مُدَّة حَيَاته
ثمَّ إِن حُبَيْش بن الْحسن تِلْمِيذه وَابْن أُخْته رتب الْبَاقِي بعده وَزَاد فِيهِ من عِنْده زَوَائِد وألحقها بِمَا أثْبته حنين فِي دستوره
وَلذَلِك يُوجد هَذَا الْكتاب معنونا بِكِتَاب الْمسَائِل لحنين بِزِيَادَات حُبَيْش الأعسم
وَالَّذِي يُوجد فِي النّسخ من هَذَا الْكتاب أَن زيادات حُبَيْش من عِنْد ذكره أَوْقَات الْأَمْرَاض الْأَرْبَعَة إِلَى آخر الْكتاب
وَقَالَ ابْن أبي صَادِق أَن زيادات حُبَيْش إِنَّمَا هِيَ من الْكَلَام فِي الترياق وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِأَنَّهُ قَالَ ثمَّ إِن حنين بن إِسْحَق عمل مقالتين شرح فيهمَا مَا قَالَه جالينوس فِي الترياق
وَلَو كَانَ قَالَه حنين لَكَانَ يَقُول ثمَّ إِنِّي عملت مقالتين شرحت فيهمَا كَذَا وَكَذَا
وَقيل إِن حنينا شرع فِي تأليف هَذَا الْكتاب فِي أَيَّام المتَوَكل وَقد جعله رَئِيس الْأَطِبَّاء بِبَغْدَاد
كتاب الْعشْر مقالات فِي الْعين وَهَذَا الْكتاب يُوجد فِي نُسْخَة اخْتِلَاف كثير وَلَيْسَ مقالاته على وَاحِد
فَإِن بَعْضهَا تُوجد مختصرة موجزة فِي الْمَعْنى الَّذِي هِيَ فِيهِ وَالْبَعْض الآخر قد طول فِيهِ وَزَاد عَمَّا يُوجِبهُ تأليف الْكتاب
وَالسَّبَب فِي ذَلِك أَن كل مقَالَة مِنْهُ كَانَت بمفردها من غير التئام لَهَا مَعَ غَيرهَا
وَذَلِكَ لِأَن حنينا يَقُول فِي الْمقَالة الْأَخِيرَة من هَذَا الْكتاب أَنِّي قد كنت ألفت مُنْذُ نَيف وَثَلَاثِينَ سنة فِي الْعين مقالات مُفْردَة نحوت فِيهَا إِلَى أغراض شَتَّى
سَأَلَني تأليفها قوم بعد قوم قَالَ ثمَّ إِن حبيشا سَأَلَني أَن أجمع لَهُ ذَلِك وَهُوَ تسع مقالات وأجعله كتابا وَاحِدًا وَأَن أضيف لَهُ للتسع مقالات الْمَاضِيَة مقَالَة أُخْرَى أذكر فِيهَا كتبهمْ لعلل الْعين
وَهَذَا ذكر أغراض المقالات الَّتِي يضمها هَذَا الْكتاب
الْمقَالة الأولى يذكر فِيهَا طبيعة الْعين وتركيبها
والمقالة الثَّانِيَة يذكر فِيهَا طبيعية الدِّمَاغ ومنافعه
الْمقَالة الثَّالِثَة يذكر فِيهَا العصب الباصر وَالروح الباصر وَفِي نفس الْأَبْصَار كَيفَ يكون