تعالج قَدِيما بالأدوية الحارة إِلَى التَّدْبِير الْمبرد قَالَ كَانَ قد أسكت الْوَزير أَبُو طَاهِر بن بقيه فِي دَاره الشاطئة على الجسر بِبَغْدَاد وَقد حضر الْأَمِير معز الدولة بختيار والأطباء مجمعون على أَنه قد مَاتَ
فَتقدم أَبُو الْحسن الْحَرَّانِي وَكنت أَصْحَبهُ يَوْمئِذٍ فَقَالَ أَيهَا الْأَمِير إِذا كَانَ قد مَاتَ فَلَنْ يضرّهُ الفصاد فَهَل تَأذن فِي فصده قَالَ لَهُ افْعَل يَا أَبَا الْحسن
ففصده فرشح مِنْهُ دم يسير
ثمَّ لم يزل يقوى الرشح إِلَى أَن صَار الدَّم يجْرِي فأفاق الْوَزير
فَلَمَّا خلوت بِهِ سَأَلته عَن الْحَال وَكَانَ ضنينا بِمَا يَقُول فَقَالَ إِن من عَادَة الْوَزير أَن يستفرغ فِي كل ربيع دَمًا كثيرا من عروق الْمعدة وَفِي هَذَا الْفَصْل انْقَطع عَنهُ فَلَمَّا فصدته ثَابت الطبيعة من خناقها
وَقَالَ عبد الله بن جِبْرَائِيل لما دخل عضد الدولة رَحمَه الله إِلَى بَغْدَاد كَانَ أول من لقِيه من الْأَطِبَّاء أَبُو الْحسن الْحَرَّانِي وَكَانَ شَيخا مسنا وَسنَان وَكَانَ أَصْغَر من أبي الْحسن وَكَانَا عَالمين فاضلين وَكَانَا جمعيا يسعران المرضى ويمضيان إِلَى دَار السُّلْطَان فَحسن ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِمَا
وَلما دخلا إِلَى عضد الدولة قَالَ من هَؤُلَاءِ قَالُوا الْأَطِبَّاء
قَالَ نَحن فِي عَافِيَة وَمَا بِنَا حَاجَة إِلَيْهِم
فانصرفا خجلين
فَلَمَّا خرجا إِلَى الدهليز قَالَ سِنَان لأبي الْحسن يجمل أَن ندخل إِلَى هَذَا الْأسد وَنحن شَيخا بَغْدَاد فيفترسنا قَالَ لَهُ أَبُو الْحسن فَمَا الْحِيلَة قَالَ نرْجِع إِلَيْهِ وَأَنا أَقُول مَا عِنْدِي وَنَنْظُر إيش الْجَواب قَالَ افْعَل
فَاسْتَأْذَنا ودخلا فَقَالَ سِنَان أَطَالَ الله بَقَاء مَوْلَانَا الْملك مَوْضُوع صناعتنا حفظ الصِّحَّة لَا مداواة الْأَمْرَاض
وَالْملك أحْوج النَّاس إِلَيْهِ
فَقَالَ لَهُ عضد الدولة صدقت
وَقرر لَهما الْجَارِي السّني وصارا ينوبان مَعَ أطبائه
قَالَ عبيد الله بن جِبْرَائِيل وَلَهُمَا أَحَادِيث كَثِيرَة حَسَنَة مِنْهَا حَدِيث قلاء الكبود
وَذَلِكَ أَنه كَانَ بِبَاب الأزج إِنْسَان يقلي الكبود فَكَانَا إِذا اجتازا عَلَيْهِ دَعَا لَهما وشكرهما وَقَامَ لَهما حَتَّى ينصرفا عَنهُ
فَلَمَّا كَانَ فِي بعض الْأَيَّام اجتازا فَلم يرياه فظنا أَنه قد شغل عَنْهُمَا
وَمن غَد سَأَلَا عَنهُ فَقيل لَهما أَنه الْآن قد مَاتَ
فعجبا من ذَلِك وَقَالَ أَحدهمَا للْآخر لَهُ علينا حق يُوجب علينا قَصده ومشاهدته
فمضيا جَمِيعًا وشاهداه فَلَمَّا نظرا إِلَيْهِ تشاورا فِي فصده وسألا أَهله أَن يؤخروه سَاعَة وَاحِدَة ليفكروا فِي أمره
فَفَعَلُوا ذَلِك وأحضروا فصادا ففصده فصدة وَاسِعَة فَخرج مِنْهُ دم غليظ
وَكَانَ كلما خرج الدَّم خف عَنهُ حَتَّى تكلم
وسقياه مَا يصلح وانصرفا عَنهُ
وَلما كَانَ فِي الْيَوْم الثَّالِث خرج إِلَى دكانه
فَكَانَ هَذَا من المعجز لَهما
فسئلا عَن ذَلِك فَقَالَا سَببه أَنه كَانَ إِذا قلى الكبود يَأْكُل مِنْهَا وبدنه ممتلىء دَمًا غليظا وَهُوَ لَا يحس حَتَّى فاض من الْعُرُوق إِلَى الأوعية وغمر الْحَرَارَة الغريزية وخنقها كَمَا يخنق الزَّيْت الْكثير الفتيلة الَّتِي تكون فِي السراج
فَلَمَّا بدروه بالفصد نقص الدَّم وخف عَن الْقُوَّة الْحمل الثقيل وانتشرت الْحَرَارَة وَعَاد الْجِسْم إِلَى الصِّحَّة