لَهُ فِيمَا بَينهمَا يَا سَيِّدي اعْلَم أنني قد شخت وَأَنا أوسم بِهَذِهِ الصِّنَاعَة وَمَا عِنْدِي مِنْهَا إِلَّا معرفَة اصْطِلَاحَات مَشْهُورَة فِي المداواة وعمري كُله أتكسب بهَا وَعِنْدِي عائلة فسألتك بِاللَّه يَا سيدنَا مشي حَالي وَلَا تفضحني بَين هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَة
فَقَالَ أَمِين الدولة على شريطة وَهِي أَنَّك لَا تهجم على مَرِيض بِمَا تعلمه وَلَا تُشِير بفصد وَلَا بدواء مسهل إِلَّا لما قرب من الْأَمْرَاض
فَقَالَ الشَّيْخ هَذَا مذهبي مُنْذُ كنت مَا تعديت السكنجبين والجلاب
ثمَّ ان أَمِين الدولة قَالَ لَهُ مُعْلنا وَالْجَمَاعَة تسمع يَا شيخ اعذرنا فإننا مَا كُنَّا نعرفك والآن فقد عرفناك اسْتمرّ فِيمَا أَنْت فِيهِ فَإِن أحدا مَا يعارضك
ثمَّ إِنَّه عَاد بعد ذَلِك فِيمَا هُوَ فِيهِ مَعَ الْجَمَاعَة وَقَالَ لبَعْضهِم على من قَرَأت هَذِه الصِّنَاعَة وَشرع فِي امتحانه فَقَالَ يَا سيدنَا
أَنا من تلامذة هَذَا الشَّيْخ الَّذِي قد عَرفته وَعَلِيهِ كنت قد قَرَأت صناعَة الطِّبّ
فَفطن أَمِين الدولة بِمَا أَرَادَ من التَّعْرِيض بقوله وَتَبَسم ثمَّ امتحنه بعد ذَلِك
وَكَانَ لأمين الدولة بن التلميذ أَصْحَاب وَجَمَاعَة يَتَرَدَّدُونَ إِلَيْهِ فَلَمَّا كَانَ فِي بعض الْأَيَّام أُتِي إِلَيْهِ ثَلَاثَة منجم ومهندس وَصَاحب أدب
فسألوا عَن أَمِين الدولة غُلَامه قنبر فَذكر لَهُم أَن سَيّده لَيْسَ فِي الدَّار وَأَنه لم يَأْتِ فِي ذَلِك الْوَقْت
فراحوا ثمَّ إِنَّهُم عَادوا فِي وَقت آخر وسألوه عَنهُ فَذكر لَهُم مثل قَوْله الأول
وَكَانَ لَهُم ذوق من الشّعْر فَتقدم المنجم وَكتب على الْحَائِط عِنْد بَاب الدَّار
(قد بلينا فِي دَار أسعد قوم بمدبر ... )
ثمَّ كتب المهندس بعده
(بقصير مطول ... وطويل مقصر)
ثمَّ تقدم صَاحب الْأَدَب وَكَانَ عِنْده مجون فَكتب
(كم تَقولُونَ قنبرا ... دحرجوا رَأس قنبر) الْخَفِيف
ومضوا
فَلَمَّا جَاءَ أَمِين الدولة قَالَ لَهُ قنبر يَا سَيِّدي جَاءَ ثَلَاثَة إِلَى هَهُنَا يطلبونك وَلما لم يجدوك كتبُوا هَذَا على الْحَائِط
فَلَمَّا قَرَأَهُ أَمِين الدولة قَالَ لمن مَعَه يُوشك أَن يكون هَذَا الْبَيْت الأول خطّ فلَان المنجم وَهَذَا الْبَيْت الثَّانِي خطّ فلَان المهندس وَهَذَا الثَّالِث خطّ فلَان صاحبنا فَإِن كل بَيت يدل على شَيْء مِمَّا يعانيه صَاحبه
وَكَانَ الْأَمر كَمَا حدسه أَمِين الدولة سَوَاء
وَكَانَت دَار أَمِين الدولة هَذِه يسكنهَا بِبَغْدَاد فِي سوق الْعطر مِمَّا يَلِي بَابه المجاور لباب الغربة من دَار الْخلَافَة المعظمة بالمشرعة النَّازِلَة إِلَى شاطئ دجلة
وَقَالَ أَمِين الدولة بن التلميذ فَكرت يَوْمًا فِي أَمر الْمذَاهب فَرَأَيْت هاتفا فِي النّوم وَهُوَ ينشدني
(أعوم فِي بحرك عَليّ أرى ... فِيهِ لما أطلبه قعرا)