بِسُرْعَة إِلَى الأَرْض
وَلما كَانَ أوحد الزَّمَان فِي دَاره وَأَتَاهُ الْمَرِيض شرع فِي الْكَلَام مَعَه وحادثه وَأنكر عَلَيْهِ حمله للدن وَأَشَارَ إِلَى الْغُلَام الَّذِي عِنْده من غير علم الْمَرِيض فَأقبل إِلَيْهِ وَقَالَ وَالله لَا بُد لي أَن أكسر هَذَا الدن وأريحك مِنْهُ
ثمَّ أدَار تِلْكَ الْخَشَبَة الَّتِي مَعَه وَضرب بهَا فَوق رَأسه بِنَحْوِ ذِرَاع وَعند ذَلِك رمى الْغُلَام الآخر الدن من أَعلَى السَّطْح فَكَانَت لَهُ جلبة عَظِيمَة وتكسر قطعا كَثِيرَة
فَلَمَّا عاين الْمَرِيض مَا فعل بِهِ وَرَأى الدن المنكسر تأوه لكسرهم إِيَّاه وَلم يشك أَنه الَّذِي كَانَ على رَأسه بِزَعْمِهِ وَأثر فِيهِ الْوَهم أثرا برِئ من علته تِلْكَ
وَهَذَا بَاب عَظِيم فِي المداواة وَقد جرى أَمْثَال ذَلِك لجَماعَة من الْأَطِبَّاء الْمُتَقَدِّمين مثل جالينوس وَغَيره فِي مداواتهم بالأمور الوهمية
وَقد ذكرت كثيرا من ذَلِك فِي غير هَذَا الْكتاب
وحَدثني الشَّيْخ مهذب الدّين عبد الرَّحِيم بن عَليّ قَالَ حَدثنِي موفق الدّين أسعد بن إلْيَاس المطران قَالَ حَدثنِي الأوحد بن التقي قَالَ حَدثنِي أبي قَالَ حَدثنَا عبد الْوَدُود الطَّبِيب قَالَ حَدثنِي أَبُو الْفضل تلميذ أبي البركات الْمَعْرُوف بأوحد الزَّمَان قَالَ كُنَّا فِي خدمَة أوحد الزَّمَان فِي معسكر السُّلْطَان فَفِي يَوْم جَاءَهُ رجل بِهِ داحس إِلَّا أَن الورم كَانَ نَاقِصا وَكَانَ يسيل مِنْهُ صديد قَالَ فحين رأى ذَلِك أوحد الزَّمَان بَادر إِلَى سلامية أُصْبُعه فقطعها قَالَ فَقُلْنَا لَهُ يَا سيدنَا لقد أجحفت فِي المداواة وَكَانَ يُغْنِيك أَن تداويه بِمَا يداوي بِهِ غَيْرك وتبقي عَلَيْهِ إصبعه ولمناه وَهُوَ لَا ينْطق بِحرف
قَالَ وَمضى ذَلِك الْيَوْم وَجَاء فِي الْيَوْم الثَّانِي رجل آخر مثل ذَلِك سَوَاء فَأَوْمأ إِلَيْنَا بمداواته وَقَالَ افعلوا فِي هَذَا مَا تَرَوْنَهُ صَوَابا
قَالَ فداويناه بِمَا يداوي بِهِ الداحس فاتسع الْمَكَان وَذهب الظفر وتعدى الْأَمر إِلَى ذهَاب السلامية الأولى من سلاميات الإصبع
وَمَا تركنَا دَوَاء إِلَّا وداويناه بِهِ وَلَا علاجا إِلَّا وعالجناه وَلَا لطوخا إِلَّا ولطخناه وَلَا مسهلا إِلَّا وسقيناه وَهُوَ مَعَ ذَلِك يزِيد وَيَأْكُل الإصبع أسْرع أكل وَآل أمره إِلَى الْقطع فَعلمنَا أَن فَوق كل ذِي علم عليم
قَالَ وَفَشَا هَذَا الْمَرَض فِي تِلْكَ السّنة وغفل جمَاعَة مِنْهُم عَن الْقطع فتأدى أَمر بَعضهم إِلَى الْيَد وَبَعْضهمْ إِلَى هَلَاك أنفسهم
ونقلت من خطّ الشَّيْخ موفق الدّين عبد اللَّطِيف الْبَغْدَادِيّ فِيمَا ذكره عَن ابْن الدهان المنجم قَالَ قَالَ كَانَ الشَّيْخ أَبُو البركات قد عمي فِي آخر عمره وَكَانَ يملي على جمال الدّين بن فضلان وعَلى ابْن الدهان المنجم وعَلى يُوسُف وَالِد الشَّيْخ موفق الدّين عبد اللَّطِيف وعَلى الْمُهَذّب بن النقاش كتاب الْمُعْتَبر
وَقيل إِن أوحد الزَّمَان كَانَ سَبَب إِسْلَامه أَنه دخل يَوْمًا إِلَى الْخَلِيفَة فَقَامَ جَمِيع مَا حضر إِلَّا قَاضِي الْقُضَاة فَإِنَّهُ كَانَ حَاضرا وَلم ير أَنه يقوم مَعَ الْجَمَاعَة لكَونه ذِمِّيا
فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ