للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَكتب إِلَى ملك اليونانيين يَسْتَعِين بِهِ على إِخْرَاجه إِلَيْهِ وَضمن لَهُ مهادنة سبع سِنِين مَتى أخرج أبقراط إِلَيْهِ

فَلم يجب أبقراط إِلَى الْخُرُوج عَن بَلَده إِلَى الْفرس

فَلَمَّا ألح عَلَيْهِ ملك اليونانيين فِي الْخُرُوج قَالَ لَهُ أبقراط لست أبدل الْفَضِيلَة بِالْمَالِ

وَلما عالج بردقس الْملك من أمراض مَرضهَا لم يقم عِنْده دهره كُله

وَانْصَرف إِلَى علاج الْمَسَاكِين والفقراء الَّذين كَانُوا فِي بلدته وَفِي مدن أُخْرَى وَإِن صغرت

وَدَار هُوَ بِنَفسِهِ جَمِيع مدن اليونانيين حَتَّى وضع لَهُم كتابا فِي الأهوية والبلدان

قَالَ جالينوس وَمن هَذِه حَاله لَيْسَ إِنَّمَا يستخف بالغنى فَقَط بل بالخفض والدعة ويؤثر التَّعَب وَالنّصب عَلَيْهَا فِي جنب الْفَضِيلَة

وَمن بعض التواريخ الْقَدِيمَة أَن أبقراط كَانَ فِي زمن بهمن بن أزدشير وَكَانَ بهمن قد اعتل فأنفذ إِلَى أهل بلد أبقراط يستدعيه فامتنعوا من ذَلِك وَقَالُوا أَن أخرج أبقراط من مدينتنا خرجنَا جَمِيعًا وقتلنا دونه فرق لَهُم بهمن وَأقرهُ عِنْدهم

وَظهر أبقراط سنة سِتّ وَتِسْعين لبختنصر وَهِي سنة أَربع عشرَة للْملك بهمن

قَالَ سُلَيْمَان بن حسان الْمَعْرُوف بِابْن جلجل وَرَأَيْت حِكَايَة طريفه لأبقراط استحلينا ذكرهَا لندل بهَا على فَضله وَذَلِكَ أَن أفليمون صَاحب الفراسة كَانَ يزْعم فِي فراسته أَنه يسْتَدلّ بتركيب الْإِنْسَان على أَخْلَاق نَفسه فَاجْتمع تلاميذ أبقراط وَقَالَ بَعضهم لبَعض هَل تعلمُونَ فِي دَهْرنَا أفضل من هَذَا الْمَرْء الْفَاضِل فَقَالُوا مَا نعلم

فَقَالَ بَعضهم تَعَالَوْا نمتحن بِهِ أفليمون فِيمَا يَدعِيهِ من الفراسة فصوروا صُورَة أبقراط ثمَّ نهضوا بهَا إِلَى أفليمون

فَقَالُوا لَهُ أَيهَا الْفَاضِل انْظُر هَذَا الشَّخْص وَأحكم على أَخْلَاق نَفسه من تركيبه

فَنظر إِلَيْهِ وَقرن أعضاءه بَعْضهَا بِبَعْض ثمَّ حكم فَقَالَ رجل يحب الزِّنَا

فَقَالُوا لَهُ كذبت هَذِه صُورَة أبقراط الْحَكِيم

فَقَالَ لَهُم لابد لعلمي أَن يصدق فَاسْأَلُوهُ فَإِن الْمَرْء لَا يرضى بِالْكَذِبِ

فَرَجَعُوا إِلَى أبقراط وَأَخْبرُوهُ بالْخبر وَمَا صَنَعُوا وَمَا قَالَ لَهُم أفليمون فَقَالَ أبقراط صدق أفليمون أحب الزِّنَا وَلَكِنِّي أملك نَفسِي

فَهَذَا يدل على فضل أبقراط وَملكه لنَفسِهِ ورياضته لَهَا بالفضيلة

أَقُول وَقد تنْسب هَذِه الْحِكَايَة إِلَى سقراط الفيلسوف وتلامذته

فَأَما تَفْسِير اسْم أبقراط فَإِن مَعْنَاهُ ضَابِط الْخَيل وَقيل مَعْنَاهُ ماسك الصِّحَّة وَقيل ماسك

<<  <   >  >>