تعرف بِبَغْدَاد من صالحي هَذِه الصِّنَاعَة فَقَالَ يَا مَوْلَانَا أستاذي وشيخي أَبُو نصر بن المسيحي لَيْسَ فِي الْبِلَاد بأسرها من يماثله
فَقَالَ لَهُ الْخَلِيفَة اذْهَبْ إِلَيْهِ ومره بالحضور
فَلَمَّا حضر خدم وَقبل الأَرْض أمره بِالْجُلُوسِ فَجَلَسَ سَاعَة وَلم يكلمهُ وَلم يَأْمُرهُ بِشَيْء حَتَّى سكن روعه
فَلَمَّا آنس مِنْهُ ذَلِك قَالَ لَهُ يَا أَبَا نصر مثل نَفسك أَنَّك قد دخلت إِلَى بيمارستان وَأَنت تباشر بِهِ مَرِيضا قد ورد من بعض الضّيَاع وَأُرِيد أَن تباشر مداواتي وتعالجني فِي هَذَا الْمَرَض كَمَا تفعل بِمن هَذِه صفته
فَقَالَ السّمع وَالطَّاعَة وَلَكِنِّي احْتَاجَ أَن أعرف من هَذَا الطَّبِيب الْمُتَقَدّم مبادئ الْمَرَض وأحواله وتغيراته وَمَا عالج بِهِ مُنْذُ أول الْمَرَض وَإِلَى الْآن
فَاحْضُرْ الشَّيْخ أَبُو الْخَيْر وَأخذ يذكر لَهُ ابتداءات الْمَرَض وتغيرات أَحْوَاله وَمَا عالج بِهِ فِي أول الْأَمر وَإِلَى آخر وَقت
فَقَالَ التَّدْبِير صَالح والعلاج مُسْتَقِيم
فَقَالَ الْخَلِيفَة هَذَا الشَّيْخ اخطأ وَلَا بُد لي من صلبه
فَقَامَ أَبُو نصر بن المسيحي وَقبل الأَرْض وَقَالَ يَا مَوْلَانَا بِحَق نعْمَة الله عَلَيْك وبمن مضى من أسلافك الطاهرين لَا تسن على الْأَطِبَّاء هَذِه السّنة وَأما الرجل فَلم يُخطئ فِي التَّدْبِير وَلَكِن لسوء حَظه لم ينْتَه الْمَرَض
فَقَالَ قد عَفَوْت عَنهُ وَلَكِن لَا يعود يدْخل عَليّ
فَانْصَرف ثمَّ أَخذ أَبُو نصر فِي مداواته فَسَقَاهُ ودهن الْعُضْو بالإدهان الملينات وَقَالَ لَهُ إِن أمكن نلاطف الْأَمر بِحَيْثُ نخرج هَذِه الْحَصَاة من غير بط فَهُوَ المُرَاد وَإِن لم تخرج فَذَلِك لَا يفوتنا
فَلم يزل كَذَلِك يَوْمَيْنِ وَفِي لَيْلَة الْيَوْم الثَّالِث رمى الْحَصَاة فَقيل إِنَّه كَانَ وَزنهَا سَبْعَة مَثَاقِيل وَقيل خَمْسَة وَقيل إِنَّهَا كَانَت على مِقْدَار أكبر نواة تكون من نوى الزَّيْتُون
وبرأ وتتابع الشِّفَاء وَدخل الْحمام فَأمر أَن يدْخل أَبُو نصر إِلَى دَار الضَّرْب وَيحمل من الذَّهَب مهما قدر أَن يحملهُ فَفعل بِهِ ذَلِك
ثمَّ أَتَتْهُ الْخلْع وَالدَّنَانِير من أم الْخَلِيفَة وَمن ولديه الأميرين مُحَمَّد وَعلي والوزير نصير الدّين أبي الْحسن ابْن مهْدي الْعلوِي الرَّازِيّ وَمن سَائِر كبار الْأُمَرَاء بالدولة
فَأَما أم الْخَلِيفَة وَأَوْلَاده والوزير والشرابي نجاح فَكَانَت الدَّنَانِير من كل وَاحِد مِنْهُم ألف دِينَار وَكَذَلِكَ من أكَابِر الْأُمَرَاء والباقين على قدر أَحْوَالهم
فَأخْبرت أَنه حصل من الْعين الدَّنَانِير عشْرين ألف دِينَار وَمن الثِّيَاب وَالْخلْع جملَة وافرة وألزم الْخدمَة وفرضت لَهُ الجامكية السّنيَّة والراتب وَالْإِقَامَة
وَلم يزل مستمرا فِي الْحِكْمَة إِلَى أَن مَاتَ النَّاصِر
قَالَ وحَدثني بعض الْأَطِبَّاء أَن ابْن عكاشة الجرائحي كَانَ قد نذر عَلَيْهِ أَنه يتَصَدَّق فِي بيعَة سوق الثُّلَاثَاء بِالربعِ مِمَّا يحصل لَهُ وَأَنه حمل إِلَى الْبيعَة مِائَتَيْنِ وَخمسين دِينَارا وَصرف أَبُو الْخَيْر المسيحي من الْخدمَة وَقد كَانَت مَنْزِلَته قبل هَذَا جليلة عِنْده وَمحله مُرْتَفع وَوَصله هبات وصلات عَظِيمَة