للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

فِي سر الطِّبّ

وَمِمَّا حُكيَ عَنهُ من بَدَائِع وَصفه وجودة استدلاله قَالَ القَاضِي أَبُو عَليّ المحسن بن عَليّ بن أبي جهم التنوخي فِي كتاب الْفرج بعد الشدَّة حَدثنِي مُحَمَّد بن عَليّ بن الْخلال الْبَصْرِيّ أَبُو الْحُسَيْن أحد أُمَنَاء الْقُضَاة قَالَ حَدثنِي بعض أهل الطِّبّ الثقاة أَن غُلَاما من بَغْدَاد قدم الرّيّ وَهُوَ ينفث الدَّم وَكَانَ لحقه ذَلِك فِي طَرِيقه فاستدعى أَبَا بكر الرَّازِيّ الطَّبِيب الْمَشْهُور بالحذق صَاحب الْكتب المصنفة فَأرَاهُ مَا ينفث وَوصف مَا يجد

فَأخذ الرَّازِيّ مجسته وَرَأى قارورته واستوصف حَاله مُنْذُ بَدَأَ ذَلِك بِهِ فَلم يقم لَهُ دَلِيل على سل وَلَا قرحَة وَلم يعرف الْعلَّة فاستنظر الرجل ليتفكر فِي الْأَمر فَقَامَتْ على العليل الْقِيَامَة وَقَالَ هَذَا يأس لي من الْحَيَاة لحذق المتطبب وجهله بِالْعِلَّةِ

فازداد مَا بِهِ وَولد الْفِكر للرازي أَن أعَاد عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَن الْمِيَاه الَّتِي شربهَا فِي طَرِيقه فَأخْبرهُ أَنه قد شرب من مستنقعات وصهاريج فَقَامَ فِي نفس أبي بكر مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا الرَّازِيّ المتطبب الرَّأْي بحدة الخاطر وجودة الذكاء أَن علقَة كَانَت فِي المَاء فحصلت فِي معدته وَأَن ذَلِك النفث الدَّم من فعلهَا

فَقَالَ لَهُ إِذا كَانَ فِي غَد جئْتُك فعالجتك وَلم أنصرف أَو تَبرأ وَلَكِن بِشَرْط تَأمر غلمانك أَن يطيعوني فِيك بِمَا آمُرهُم بِهِ

فَقَالَ نعم

وَانْصَرف الرَّازِيّ فَتقدم فَجمع لَهُ ملْء مركنين كبيرين من طحلب أَخْضَر فأحضرهما من غَد مَعَه وَأرَاهُ إيَّاهُمَا وَقَالَ لَهُ ابلغ جَمِيع مَا فِي هذَيْن المركنين

فَبَلع الرجل شَيْئا يَسِيرا ثمَّ وقف فَقَالَ ابلع

فَقَالَ لَا أَسْتَطِيع فَقَالَ للغلمان خذوه فأنيموه على قَفاهُ

فَفَعَلُوا بِهِ ذَلِك وطرحوه على قَفاهُ وفتحوا فَاه وَأَقْبل الرَّازِيّ يدس الطحلب فِي حلقه ويكبسه كبسا شَدِيدا ويطالبه ببلعه شَاءَ أم أَبى ويتهدده بِالضَّرْبِ إِلَى أَن بلعه كَارِهًا أحد المركنين بأسره وَالرجل يستغيث فَلَا يَنْفَعهُ مَعَ الرَّازِيّ شَيْء إِلَى أَن قَالَ السَّاعَة اقذف

فَزَاد الرَّازِيّ فِيمَا يكبسه فِي حلقه فذرعه الْقَيْء فقذف

وَتَأمل الرَّازِيّ قذفه فَإِذا فِيهِ علقَة وَإِذا هِيَ لما وصل إِلَيْهَا الطحلب قرمت إِلَيْهِ بالطبع وَتركت موضعهَا

والتفت على الطحلب فَلَمَّا قذف الرجل خرجت مَعَ الطحلب ونهض الرجل معافى

قَالَ القَاضِي التنوخي وحَدثني أَبُو بكر مُحَمَّد بن عبد الله بن مُحَمَّد الرَّازِيّ الْمَعْرُوف بِابْن حمدون قَالَ حَدثنِي أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ الرَّازِيّ الْفَقِيه قَالَ سَمِعت أَبَا بكر بن قَارن الرَّازِيّ الطَّبِيب

<<  <   >  >>