ويحدثني نجم الدّين يُوسُف بن شرف الدّين عَليّ بن مُحَمَّد الأسفزاري قَالَ كَانَ الشَّيْخ الإِمَام ضِيَاء الدّين عمر وَالِد الإِمَام فَخر الدّين من الرّيّ وتفقه واشتغل بِعلم الْخلاف وَالْأُصُول حَتَّى تميز تميزا كثيرا وَصَارَ قَلِيل الْمثل وَكَانَ يدرس بِالريِّ ويخطب فِي أَوْقَات مَعْلُومَة هُنَالك ويجتمع عِنْده خلق كثير لحسن مَا يُورِدهُ وبلاغته حَتَّى اشْتهر بذلك بَين الْخَاص وَالْعَام فِي تِلْكَ النواحي
وَله تصانيف عدَّة تُوجد فِي الْأُصُول وَفِي الْوَعْظ وَغير ذَلِك وَخلف وَلدين أَحدهمَا الإِمَام فَخر الدّين وَالْآخر وَهُوَ الْأَكْبَر سنا كَانَ يلقب بالركن وَكَانَ هَذَا الرُّكْن قد شدا شَيْئا من الْخلاف وَالْفِقْه وَالْأُصُول إِلَّا أَنه كَانَ أهوج كثير الاختلال فَكَانَ أبدا لَا يزَال يسير خلف أَخِيه فَخر الدّين وَيتَوَجَّهُ إِلَيْهِ فِي أَي بلد قَصده ويشنع عَلَيْهِ ويسفه المشتغلين بكتبه والناظرين فِي أَقْوَاله وَيَقُول أَلَسْت أكبر مِنْهُ وَاعْلَم مِنْهُ وَأكْثر معرفَة بِالْخِلَافِ وَالْأُصُول فَمَا للنَّاس يَقُولُونَ فَخر الدّين فَخر الدّين وَلَا أسمعهم يَقُولُونَ ركن الدّين
وَكَانَ رُبمَا صنف بِزَعْمِهِ شَيْئا وَيَقُول هَذَا خير من كَلَام فَخر الدّين ويثلبه وَالْجَمَاعَة يعْجبُونَ مِنْهُ وَكثير مِنْهُم يصفونه ويهزأون بِهِ
وَكَانَ الإِمَام فَخر الدّين كلما بلغه شَيْء من ذَلِك صَعب عَلَيْهِ وَلم يُؤثر أَن أَخَاهُ بِتِلْكَ الْحَالة وَلَا أحد يسمع قَوْله
وَكَانَ دَائِم الْإِحْسَان إِلَيْهِ وَرُبمَا سَأَلَهُ الْمقَام فِي الرّيّ أَو فِي غَيره وَهُوَ يفتقده ويصله بِكُل مَا يقدر عَلَيْهِ
فَكَانَ كلما سَأَلَهُ ذَلِك يزِيد فِي فعله وَلَا ينْتَقل عَن حَاله
وَلم يزل كَذَلِك لَا يَنْقَطِع عَنهُ وَلَا يسكت عَمَّا هُوَ فِيهِ إِلَى أَن اجْتمع فَخر الدّين بالسلطان خوارزمشاه وأنهى إِلَيْهِ حَال أَخِيه وَمَا يقاسي مِنْهُ وَالْتمس مِنْهُ أَن يتْركهُ فِي بضع الْمَوَاضِع ويوصى عَلَيْهِ أَنه لَا يُمكن من الْخُرُوج والانتقال عَن ذَلِك الْموضع وَأَن يكون لَهما يقوم بكفايته وكل مَا يحْتَاج إِلَيْهِ
فَجعله السُّلْطَان فِي بعض القلاع الَّتِي لَهُ وَأطلق لَهُ إقطاعا يقوم لَهُ فِي كل سنة بِمَا مبلغه ألف دِينَار وَلم يزل مُقيما هُنَالك حَتَّى قضى الله فِي أمره
قَالَ وَكَانَ الإِمَام فَخر الدّين عَلامَة وقته فِي كل الْعُلُوم وَكَانَ الْخلق يأْتونَ إِلَيْهِ من كل نَاحيَة ويخطب أَيْضا بِالريِّ
وَكَانَ لَهُ مجْلِس عَظِيم للتدريس
فَإِذا تكلم بذ الْقَائِلين
وَكَانَ عبل الْبدن باعتدال عَظِيم الصَّدْر وَالرَّأْس كث اللِّحْيَة
وَمَات وَهُوَ فِي سنّ الكهولة أشمط شعر اللِّحْيَة
وَكَانَ كثيرا مَا يذكر الْمَوْت ويؤثره
وَيسْأل الله الرَّحْمَة وَيَقُول إِنَّنِي حصلت من الْعُلُوم مَا يُمكن تَحْصِيله بِحَسب الطَّاقَة البشرية وَمَا يبيت أُؤْثِر إِلَّا لِقَاء الله تَعَالَى وَالنَّظَر إِلَى وَجهه الْكَرِيم
قَالَ
وَخلف فَخر الدّين ابْنَيْنِ الْأَكْبَر مِنْهُمَا يلقب بضياء الدّين وَله اشْتِغَال وَنظر فِي الْعُلُوم وَالْآخر وَهُوَ الصَّغِير لقبه شمس الدّين وَله فطْرَة فائقة وذكاء خارق وَكَانَ كثيرا مَا يصفه الإِمَام فَخر الدّين بالذكاء وَيَقُول إِن عَاشَ ابْني هَذَا فَإِنَّهُ يكون أعلم مني وَكَانَت النجابة تتبين فِيهِ من الصغر
وَلما توفّي الإِمَام فَخر الدّين بقيت أَوْلَاده مقيمين فِي هراة ولقب وَلَده الصَّغِير بعد