اعْتِمَاده عَلَيْهِ فِي الطِّبّ وأناله من الْأَنْعَام وَالعطَاء فَوق أمْنِيته
وَكَانَ مكينا عِنْده عالي الْقدر متميزا على كثير من أَبنَاء زَمَانه
وَألف لَهُ أَبُو مَرْوَان بن زهر الترياق السبعيني وَاخْتَصَرَهُ عشاريا وَاخْتَصَرَهُ سباعيا وَيعرف بترياق الأنتلة
حَدثنِي أَبُو الْقَاسِم المعاجيني الأندلسي أَن الْخَلِيفَة عبد الْمُؤمن احْتَاجَ إِلَى شرب دَوَاء مسهل وَكَانَ يكره شرب الْأَدْوِيَة المسهلة فتلطف لَهُ ابْن زهر فِي ذَلِك وأتى إِلَى كرمة فِي بستانه فَجعل المَاء الَّذِي يسقيها بِهِ مَاء قد أكسبه قُوَّة أدوية مسهلة بنقعها فِيهِ أَو بغليانها مَعَه
وَلما تشربت الكرمة قُوَّة الْأَدْوِيَة المسهلة الَّتِي أرادها وطلع فِيهَا الْعِنَب وَله تِلْكَ الْقُوَّة أحم الْخَلِيفَة ثمَّ أَتَاهُ بعنقود مِنْهَا وَأَشَارَ عَلَيْهِ أَن يَأْكُل مِنْهُ
وَكَانَ حسن الِاعْتِقَاد فِي ابْن زهر فَلَمَّا أكل مِنْهُ وَهُوَ ينظر إِلَيْهِ قَالَ لَهُ يَكْفِيك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَإنَّك قد أكلت عشر حبات من الْعِنَب وَهِي تخدمك عشر مجَالِس
فاستخبره عَن عِلّة ذَلِك وعرفه بِهِ
ثمَّ قَامَ على عدد مَا ذكره لَهُ وَوجد الرَّاحَة فَاسْتحْسن من فعله هَذَا وتزايدت مَنْزِلَته عِنْده
وحَدثني الشَّيْخ محيي الدّين أَبُو عبد الله بن عَليّ بن مُحَمَّد بن الْعَرَبِيّ الطَّائِي الْحَاتِمِي من أهل مرسية أَن أَبَا مَرْوَان عبد الْملك بن زهر كَانَ فِي وَقت مروره إِلَى دَار أَمِير الْمُؤمنِينَ بأشبيلية يجد فِي طَرِيقه عِنْد حمام أبي الْخَيْر بِالْقربِ من دَار ابْن مُؤَمل مَرِيضا بِهِ سوء قتبه وَقد كبر جَوْفه واصفر لَونه فَكَانَ أبدا يشكو إِلَيْهِ حَاله ويسأله النّظر فِي أمره
فَلَمَّا كَانَ بعض الْأَيَّام سَأَلَهُ مثل ذَلِك فَوقف أَبُو مَرْوَان بن زهر عِنْده وَنظر إِلَيْهِ فَوجدَ عِنْد رَأسه إبريقا عتيقا يشرب مِنْهُ المَاء فَقَالَ اكسر هَذَا الإبريق فَإِنَّهُ سَبَب مرضك
فَقَالَ لَهُ لَا بِاللَّه يَا سَيِّدي فَإِنِّي مَا لي غَيره فَأمر بعض خدمه بكسره فَكَسرهُ فَظهر مِنْهُ لما كسر ضفدع وَقد كبر مِمَّا لَهُ فِيهِ من الزَّمَان
فَقَالَ لَهُ ابْن زهر خلصت يَا هَذَا من الْمَرَض انْظُر مَا كنت تشرب
وبرأ الرجل بعد ذَلِك
وحَدثني القَاضِي أَبُو مَرْوَان مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْملك اللَّخْمِيّ ثمَّ الْبَاجِيّ قَالَ حَدثنِي من أَثِق بِهِ أَنه كَانَ بأشبيلية حَكِيم فَاضل فِي صناعَة الطِّبّ يعرف بالفار وَله كتاب جيد فِي الْأَدْوِيَة المفردة سفران وَكَانَ أَبُو مَرْوَان بن زهر كثيرا مَا يَأْكُل التِّين ويميل إِلَيْهِ
وَكَانَ الطَّبِيب الْمَعْرُوف بالفار لَا يغتذي مِنْهُ بِشَيْء وَإِن أَخذ مِنْهُ شَيْئا فَيكون وَاحِدَة فِي السّنة فَكَانَ يَقُول هَذَا لأبي مَرْوَان بن زهر أَنه لَا بُد أَن تعرض لَك نغلة صعبة بمداومتك أكل التِّين والنغلة هُوَ الدُّبَيْلَة بلغتهم
وَكَانَ أَبُو مَرْوَان يَقُول لَهُ لَا بُد لِكَثْرَة حميتك وكونك لم تَأْكُل شَيْئا من التِّين أَن يصيبك الشناج قَالَ فَلم يمت الْمَعْرُوف بالفار إِلَّا بعلة التشنج وَكَذَلِكَ أَيْضا عرض لأبي مَرْوَان بن زهر دبيلة فِي جنبه وَتُوفِّي بهَا
وَهَذَا من أبلغ مَا يكون من تقدمة الْإِنْذَار
قَالَ وَلما عرض لأبي مَرْوَان هَذِه الْعلَّة كَانَ يعالجها ويصنع لَهَا مراهم وأدوية وَلم تُؤثر نفعا يعْتد بِهِ
فَكَانَ يَقُول لَهُ ابْنه أَبُو بكر يَا أبي لَو غيرت هَذَا الدَّوَاء بالدواء الْفُلَانِيّ وَلَو زِدْت من هَذَا الدَّوَاء أَو اسْتعْملت دَوَاء كَذَا وَكَذَا فَكَانَ