للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

بعد بندقليس بِزَمَان وَأخذ الْحِكْمَة عَن أَصْحَاب سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلَام بِمصْر حِين دخلُوا إِلَيْهَا من بِلَاد الشَّام وَكَانَ قد أَخذ الهندسة قبلهم عَن المصريين ثمَّ رَجَعَ إِلَى بِلَاد اليونان وَأدْخل عِنْدهم علم الهندسة وَعلم الطبيعة وَعلم الدّين واستخرج بذكائه علم الألحان وتأليف النغم وأوقعها تَحت النّسَب العددية وَادّعى أَنه اسْتَفَادَ ذَلِك من مشكاة النُّبُوَّة

وَله فِي نضد الْعَالم وترتيبه على خَواص الْعدَد ومراتبه رموز عَجِيبَة وأغراض بعيدَة

وَله فِي شَأْن الْمعَاد مَذَاهِب قَارب فِيهَا بندقليس من أَن فَوق عَالم الطبيعة عَالما روحانيا نورانيا لَا يدْرك الْعقل حسنه وبهاءه وَإِن الْأَنْفس الزكية تشتاق إِلَيْهِ وَإِن كل إِنْسَان أحسن تَقْوِيم نَفسه بالتبري من الْعجب والتجبر والرياء والحسد وَغَيرهَا من الشَّهَوَات الجسدانية فقد صَار أَهلا أَن يلْحق بالعالم الروحاني ويطلع على مَا يَشَاء من جواهره من الْحِكْمَة الإلهية

وَإِن الْأَشْيَاء الملذذة للنَّفس تَأتيه حِينَئِذٍ إرْسَالًا كالألحان الموسيقية الْآتِيَة إِلَى حاسة السّمع فَلَا يحْتَاج أَن يتَكَلَّف لَهَا طلبا

ولفيثاغورس تآليف شَرِيعَة الأرتماطيقي والموسيقي وَغير ذَلِك هَذَا آخر قَوْله

وَذكر غَيره عَن الْحَكِيم فيثاغورس أَنه كَانَ يرى السياحة وَاجْتنَاب مماسة الْقَاتِل والمقتول

وَأَنه أَمر بتقديس الْحَواس وَتعلم الْعَمَل بِالْعَدْلِ وَجَمِيع الْفَضَائِل والكف عَن الْخَطَايَا والبحث عَن الْعَطِيَّة الإنسية ليعرف طبيعة كل شَيْء وَأمر بالتحابب والتأدب بشرح الْعُلُوم العلوية ومجاهدة الْمعاصِي وعصمة النُّفُوس وَتعلم الْجِهَاد وإكثار الصّيام وَالْقعُود على الكراسي والمواظبة على قِرَاءَة الْكتب وَأَن يعلم الرِّجَال الرِّجَال وَتعلم النِّسَاء وَالنِّسَاء وَأمر بجودة الْمنطق ومواعظ الْمُلُوك وَكَانَ يَقُول بِبَقَاء النَّفس وَكَونهَا فِيمَا بعد فِي ثَوَاب أَو عِقَاب على رَأْي الْحُكَمَاء الإلهيين وَلما رَأس الْحَكِيم فيثاغورس على الهياكل وَصَارَ رَئِيس الكهنة جعل يغتذي بالأغذية غير المجوعة وَغير المعطشة

أما الْغذَاء غير المجوع فَكَانَ يهيئه من بزر ميقونيون وسمسم وقشر أسقال مغسول غسلا مستقصى حَتَّى ينبأ قلبه وأنتاريقون وأسفودالن وألفيطون وحمص وشعير من كل وَاحِد جُزْء بالتحرير كَانَ يسحقها ويعجنها بِجِنْس من الْعَسَل يُسمى أميطيو

وَأما غير المعطش فَكَانَ يهيئه من بزر القثاء وزبيب سمين منزوع الْعَجم وزهر قوريون وبزر ملوخيا وبزر أسوفا وأندراخين وَنَوع من الْخبز يدعى فيلطاموس ودقيق أواليس وَكَانَ يعجنها بِعَسَل حابوق

وَذكر الْحَكِيم أَن هرقلس تعلم هَاتين الصفتين من ديميطر وَكَانَ فيثاغورس قد ألزم نَفسه عَادَة موزونة فَلم يكن مرّة صَحِيحا وَمرَّة سقيما وَلَا كَانَ مرّة يسمن وَمرَّة يهزل

وَكَانَت نَفسه لَطِيفَة جدا وَلم يكن يفرح بإفراط وَلَا يحزن بإفراط وَلَا رَآهُ أحد قطّ ضَاحِكا وَلَا باكيا وَكَانَ يقدم إخوانه على نَفسه

<<  <   >  >>