فَلَمَّا أَن رَأس على الهياكل وَصَارَ رَئِيس الكهنة جعل يغتذي بالأغذية غير المجوعة وَغير المعطشة
وَكَانَ إِذا ورد عَلَيْهِ وَارِد ليسمع كَلَامه يكلمهُ على أحد وَجْهَيْن إِمَّا بالاحتجاج والدراس وَإِمَّا بِالْمَوْعِظَةِ والمشورة فَكَانَ لتعليمه شكل ذُو فنين
وحضره سفر إِلَى بعض الْأَمَاكِن فَأَرَادَ أَن يؤنس أَصْحَابه بِنَفسِهِ قبل فراقهم فَاجْتمعُوا فِي بَيت رجل يُقَال لَهُ ميلن فَبَيْنَمَا هم فِي الْبَيْت مجتمعون إِذْ هجم عَلَيْهِم رجل من أهل قروطونيا اسْمه قولون وَكَانَ لَهُ شرف وَحسب وَمَال عَظِيم
وَكَانَ يستطيل بذلك على النَّاس ويتمرد عَلَيْهِم ويغتر بالجور
وَكَانَ قد دخل على فيثاغورس وَجعل يمدح نَفسه فزجره بَين يَدي جُلَسَائِهِ وَأَشَارَ إِلَيْهِ باكتساب خلاص نَفسه فَاشْتَدَّ غيظ قولون عَلَيْهِ فَجمع أخلاءه وَقذف فيثاغورس عِنْدهم وَنسبه إِلَى الْكفْر وَوَافَقَهُمْ على قَتله وَأَصْحَابه وَلما هجم عَلَيْهِ قتل مِنْهُم أَرْبَعِينَ إنْسَانا وهرب باقيهم فَمنهمْ من أدْرك وَقتل وَمِنْهُم من أفلت واختفى
ودامت السّعَايَة بهم والطلب لَهُم وخافوا على فيثاغورس الْقَتْل فأفردوا لَهُ قوما مِنْهُم واحتالوا لَهُ حَتَّى أَخْرجُوهُ من تِلْكَ الْمَدِينَة بِاللَّيْلِ ووجهوا مَعَه بَعضهم حَتَّى أوصلوه إِلَى قاولونيا وَمن هُنَاكَ إِلَى لوقروس فانتهت الشناعة فِيهِ إِلَى أهل هَذِه الْمَدِينَة فوجهوا إِلَيْهِ مَشَايِخ مِنْهُم فَقَالُوا لَهُ أما أَنْت يَا فيثاغورس فحكيم فِيمَا نرى وَأما الشناعة عَنْك فسمجة جدا
لَكنا لَا نجد فِي نواميسنا مَا يلزمك الْقَتْل وَنحن متمسكون بشرائعنا فَخذ منا ضيافتك وَنَفَقَة لطريقك وارحل عَن بلدنا تسلم
فَرَحل عَنْهَا إِلَى طارنطا ففاجأه هُنَاكَ قوم من أهل قروطونيا فكادوا أَن يخنقوه وَأَصْحَابه فَرَحل إِلَى ميطابونطيون
وتكاثرت الهيوج فِي الْبِلَاد بِسَبَبِهِ حَتَّى صَار يذكر ذَلِك أهل تِلْكَ الْبِلَاد سنينا كَثِيرَة
ثمَّ انحاز إِلَى هيكل الْأَسْنَان الْمُسَمّى هيكل الموسن فتحصن فِيهِ وَأَصْحَابه ولبث فِيهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا لم يغتذ فَضربُوا الهيكل الَّذِي كَانَ فِيهِ بالنَّار
فَلَمَّا أحس أَصْحَابه بذلك عَمدُوا إِلَيْهِ فجعلوه فِي وَسطهمْ وَأَحْدَقُوا بِهِ ليوقوه النَّار بأجسامهم فعندما امتدت النَّار فِي الهيكل وَاشْتَدَّ لهبها غشي على الْحَكِيم من ألم حَرَارَتهَا وَمن الخواء فَسقط مَيتا
ثمَّ أَن تِلْكَ الآفة عمتهم أَجْمَعِينَ فاحترقوا كلهم وَكَانَ ذَلِك سَبَب مَوته
وَذكروا أَنه صنف مِائَتَيْنِ وَثَمَانِينَ كتابا وَخلف من التلاميذ خلقا كثيرا وَكَانَ نقش خَاتمه شَرّ لَا يَدُوم خير من خير لَا يَدُوم أَي شَرّ ينْتَظر زَوَاله ألذ من خير ينْتَظر زَوَاله
وعَلى منطقته الصمت سَلامَة من الندامة
من آدَاب فيثاغورس ومواعظه نقلت ذَلِك من كتاب مُخْتَار الحكم ومحاسن الْكَلم للأمير مَحْمُود الدولة أبي الْوَفَاء المبشر بن فاتك
قَالَ فيثاغورس
كَمَا أَن بَدْء وجودنا وخلقنا من الله سُبْحَانَهُ هَكَذَا يَنْبَغِي أَن تكون نفوسنا منصرفة إِلَى الله تَعَالَى وَقَالَ الفكرة لله خَاصَّة فمحبتها مُتَّصِلَة بمحبة الله تَعَالَى وَمن أحب الله سُبْحَانَهُ عمل بمحابه