وَمن حكاياته أَنه طلب مِنْهُ يَوْمًا أَن يركب لَهُ صلصا يَأْكُل بِهِ اليخني فِي الْأَسْفَار واقترح عَلَيْهِ أَن يكون مقويا للمعدة منبها للشهوة وَهُوَ مَعَ ذَلِك ملين للطبخ فَركب لَهُ صلصا هَذِه صفته يُؤْخَذ من المقدونس جُزْء وَمن الريحان الترنجاني وَقُلُوب الأترج الغضة المحلاة بِالْمَاءِ وَالْملح أَيَّامًا ثمَّ بِالْمَاءِ الحلو أخيرا من كل وَاحِد نصف جُزْء يدق فِي جرن الفقاعي كل مِنْهُم بمفرده حَتَّى يصير مثل المرهم
ثمَّ يخلط الْجَمِيع فِي الجرن الْمَذْكُور ويعصر عَلَيْهِ الليمون الْأَخْضَر الْمُنْتَقى ويذر عَلَيْهِ من الْملح الأندراني مِقْدَار مَا يطيبه
ثمَّ يرفع فِي مسللات صغَار تسع كل وَاحِدَة مِنْهَا مِقْدَار مَا يقدم على الْمَائِدَة لِأَنَّهَا إِذا نقصت تكرجت وتختم تِلْكَ الْأَوَانِي بالزيت الطّيب وترفع فَلَمَّا اسْتَعْملهُ السُّلْطَان حصلت لَهُ مِنْهُ الْمَقَاصِد الْمَطْلُوبَة
وَأثْنى عَلَيْهِ ثَنَاء كثيرا
وَكَانَ مُسَافِرًا إِلَى بِلَاد الرّوم فَقَالَ للحكيم الْمَذْكُور هَذَا الصلص يَدُوم مُدَّة طَوِيلَة فَقَالَ لَهُ لَا
فَقَالَ مَا يُقيم شهرا فَقَالَ لَهُ نعم إِذا عمل على هَذِه الصُّورَة الَّتِي ذكرتها
فَقَالَ تعْمل لي مِنْهُ راتبا فِي كل شهر مَا يَكْفِينِي فِي مُدَّة ذَلِك الشَّهْر وتسيره لي فِي رَأس كل هِلَال
فَلم يزل الْحَكِيم الْمَذْكُور يجدد ذَلِك الصلص فِي كل شهر ويسيره لَهُ إِلَى دربندات الرّوم وَهُوَ يلازم اسْتِعْمَاله فِي الطَّرِيق ويثني عَلَيْهِ ثَنَاء كثيرا
وَمن نوادره أَنه جَاءَت إِلَيْهِ امْرَأَة من الرِّيف وَمَعَهَا وَلَدهَا وَهُوَ شَاب قد غلب عَلَيْهِ النحول وَالْمَرَض فشكت إِلَيْهِ حَال وَلَدهَا وَأَنَّهَا قد أعيت فِيهِ من المداواة وَهُوَ لَا يزْدَاد إِلَّا سقاما ونحولا
وَكَانَت قد جَاءَت إِلَيْهِ بِالْغَدَاةِ قبل ركُوبه وَكَانَ الْوَقْت بَارِدًا
فَنظر إِلَيْهِ واستقرأ حَاله وجس نبضه
فَبَيْنَمَا هُوَ يجس نبضه قَالَ لغلامه ادخل ناولني الفرجية حَتَّى أجعلها عَليّ فَتغير نبض ذَلِك الشَّاب عِنْد قَوْله تغيرا كثيرا وَاخْتلف وَزنه وَتغَير لَونه أَيْضا فحدس أَن يكون عَاشِقًا
ثمَّ جس نبضه بعد ذَلِك فتساكن
وعندما خرج الْغُلَام إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ هَذِه الفرجية جس نبضه فَوَجَدَهُ أَيْضا قد تغير فَقَالَ لوالدته إِن ابْنك هَذَا عاشق وَالَّتِي يهواها اسْمهَا فرجية فَقَالَت أَي وَالله يَا مولَايَ هُوَ يحب وَاحِدَة اسْمهَا فرجية وَقد عجزت مِمَّا أعذله فِيهَا
وتعجبت من قَوْله لَهَا غَايَة التَّعَجُّب وَمن اطِّلَاعه على اسْم الْمَرْأَة من غير معرفَة مُتَقَدّمَة لَهُ لذَلِك
أَقُول وَمثل هَذِه الْحِكَايَة كَانَت قد عرضت لِجَالِينُوسَ لما عرف الْمَرْأَة العاشقة وَذَلِكَ أَنه كَانَ قد استدعي إِلَى امْرَأَة جليلة الْقدر وَكَانَ الْمَرَض قد طَال بهَا وحدس أَنَّهَا عاشقة
فتردد إِلَيْهَا
وَلما كَانَ يَوْمًا وَهُوَ يجس نبضها وَكَانَت الأجناد قد ركبُوا فِي الميدان وهم يَلْعَبُونَ فَحكى بعض الْحَاضِرين مَا كَانُوا فِيهِ وَأَن فلَانا تبينت لَهُ فروسية وَلعب جيد وعندما سَمِعت باسم ذَلِك الرجل تغير نبضها وَاخْتلف
جسه بعد ذَلِك فَوَجَدَهُ قد تساكن إِلَى أَن عَاد إِلَى حَاله الأولى
ثمَّ إِن جالينوس أَشَارَ لذَلِك الحاكي سرا أَن يُعِيد قَوْله فَلَمَّا أَعَادَهُ وجس نبضها وجده أَيْضا قد تغير فتحقق من حَالهَا أَنَّهَا تعشق ذَلِك الرجل
وَهَذَا يدل على وفور الْعلم وَحسن النّظر فِي تقدمة الْمعرفَة