الْحسن الْكِنْدِيّ وتميز فِي ذَلِك
وَكَانَ مولد موفق الدّين بن المطران ومنشؤه بِدِمَشْق وَكَانَ أَبوهُ أَيْضا طَبِيبا مُتَقَدما جوالا فِي الْبِلَاد لطلب الْفَضِيلَة
وسافر إِلَى بِلَاد الرّوم لإتقان الْأُصُول الَّتِي يعْتَمد عَلَيْهَا فِي علم النَّصَارَى ومذاهبهم
ثمَّ عدل بعد ذَلِك إِلَى الْعرَاق وَاجْتمعَ بأمين الدولة بن التلميذ واشتغل عَلَيْهِ بصناعة الطِّبّ مُدَّة وَقَرَأَ عَلَيْهِ كثيرا من الْكتب الطبية وَصَارَ موسوما بالطب
ثمَّ أَنه عَاد إِلَى دمشق وَبَقِي طَبِيبا بهَا إِلَى حِين وَفَاته
وَكَانَ موفق الدّين بن المطران حاد الذِّهْن فصيح اللِّسَان كثير الِاشْتِغَال
وَله تصانيف تدل على فَضله ونبله فِي صناعَة الطِّبّ وَفِي غَيرهَا من الْعُلُوم واشتغل بالطب على مهذب الدّين بن النقاش
وَكَانَ ابْن المطران جميل الصُّورَة كثير التخصص محبا للبس الفاخر الْمُثمن
وخدم بصناعة الطِّبّ الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب وحظي فِي أَيَّامه وَكَانَ رفيع الْمنزلَة عِنْده عَظِيم الجاه
وَكَانَ يتحجب عِنْده وَيَقْضِي أشغال النَّاس ونال من جِهَة المَال مبلغا كثيرا
وَكَانَ صَلَاح الدّين رَحمَه الله كريم النَّفس كثير الْعَطاء لمن هُوَ فِي خدمته وَلمن يَقْصِدهُ من سَائِر النَّاس حَتَّى أَنه مَاتَ وَلم يُوجد فِي خزانته من المَال شَيْء وَكَانَ لَهُ حسن اعْتِقَاد فِي ابْن المطران لَا يُفَارِقهُ فِي سفر أَو حضر وَلِهَذَا أَنه غمره بإحسانه وأترفه بامتنانه
وَكَانَ يغلب على ابْن المطران الزهو بِنَفسِهِ والتكبر حَتَّى على الْمُلُوك
وَكَانَ صَلَاح الدّين قد عرف ذَلِك مِنْهُ ويحترمه ويبجله لما قد تحَققه من علمه وَأسلم ابْن المطران فِي أَيَّام صَلَاح الدّين
وحَدثني بعض من كَانَ يعرف ابْن المطران فِيمَا يتَعَلَّق بعجبه وإدلاله على صَلَاح الدّين أَنه كَانَ مَعَه فِي بعض غَزَوَاته وَكَانَت عَادَة صَلَاح الدّين فِي وَقت حروبه أَن ينصب لَهُ خيمة حَمْرَاء وَكَذَلِكَ دهليزها وشقتها
وَإِن صَلَاح الدّين كَانَ يَوْمًا رَاكِبًا وَإِذا بِهِ قد نظر إِلَى خيمة حَمْرَاء اللَّوْن وَكَذَلِكَ شقتها ومستراحها فَبَقيَ متأملا لَهَا وَسَأَلَ لمن هِيَ فَأخْبر أَنَّهَا لِابْنِ المطران الطَّبِيب
فَقَالَ وَالله لقد عرفت أَن هَذَا من حَمَاقَة ابْن المطران وَضحك ثمَّ قَالَ مَا بِنَا إِلَّا يعبر أحد من الرُّسُل فيعتقد أَنَّهَا لأحد الْمُلُوك وَإِذا كَانَ لَا بُد فيغير مستراحها
وَأمر بِهِ أَن يرْمى وَلما رمي صَعب ذَلِك على ابْن المطران وَبَقِي يَوْمَيْنِ لم يقرب الْخدمَة فاسترضاه السُّلْطَان ووهب لَهُ مَالا
وحَدثني أَيْضا من ذَلِك أَنه كَانَ فِي خدمَة صَلَاح الدّين طَبِيب يُقَال لَهُ أَبُو الْفرج النَّصْرَانِي وَبَقِي فِي خدمته مُدَّة وَله تردد إِلَى دوره فَقَالَ يَوْمًا للسُّلْطَان أَن عِنْده بَنَات وَهُوَ يحْتَاج إِلَى تجهيزهن وَطلب مِنْهُ أَن يُطلق لَهُ مَا يَسْتَعِين بِهِ من ذَلِك فَقَالَ لَهُ صَلَاح الدّين اكْتُبْ فِي ورقة جَمِيع مَا تحْتَاج إِلَيْهِ فِي تجهيزهن وجيب الورقة
فَمضى أَبُو الْفرج وَكتب فِي ورقة من المصاغ والقماش والآلات وَغير ذَلِك مَا يكون بِنَحْوِ ثَلَاثِينَ ألف دِرْهَم
وَلما قَرَأَ صَلَاح الدّين الورقة أَمر الخزندار بِأَن يَشْتَرِي لأبي الْفرج جَمِيع مَا تضمنته وَلَا يخل بِشَيْء مِنْهُ
وَلما بلغ ذَلِك ابْن المطران قصر فِي ملازمته الْخدمَة وَتبين لصلاح الدّين مِنْهُ تغير فِي وَجهه فَعرف السَّبَب
ثمَّ أَمر الخزندار بِأَن يحضر جَمِيع مَا وصل إِلَى أبي الْفرج الطَّبِيب مِمَّا اشْتَرَاهُ لَهُ ويحسب جملَة ثمنه وَمهما بلغ من المَال يدْفع إِلَى ابْن المطران مثله سَوَاء فَفعل ذَلِك