قَالَ لست آمركُم بِشَيْء جَدِيد بل هُوَ الَّذِي لم أزل آمركُم بِهِ قَدِيما من الِاجْتِهَاد فِي إصْلَاح أَنفسكُم فَإِنَّكُم إِذا فَعلْتُمْ ذَلِك فقد سررتموني وسررتم كل من هُوَ مني بسبيل
ثمَّ سكت مَلِيًّا وسكتت الْجَمَاعَة
وَأَقْبل خَادِم الْأَحَد عشر قَاضِيا فَقَالَ لَهُ يَا سقراط إِنَّك جريء مَعَ مَا أرَاهُ مِنْك وَإنَّك لتعلم إِنِّي لست عِلّة موتك وَإِن عِلّة موتك الْقُضَاة الْأَحَد عشر وَأَنا مَأْمُور بذلك مُضْطَر إِلَيْهِ وَإنَّك أفضل من جَمِيع من صَار إِلَى هَذَا الْموضع فَاشْرَبْ الدَّوَاء بِطيبَة نفس واصبر على الِاضْطِرَار اللَّازِم
ثمَّ ذرفت عَيناهُ وَانْصَرف
فَقَالَ سقراط نَفْعل وَلَيْسَ أَنْت بملوم
ثمَّ سكت هنيهة والتفت إِلَى أقريطون فَقَالَ مر الرجل أَن يأتيني بِشَربَة موتِي
فَقَالَ للغلام ادْع الرجل فَدَعَاهُ فَدخل وَمَعَهُ الشربة مِنْهُ فَشربهَا
فَلَمَّا رَأَوْهُ قد شربهَا غلبهم من الْبكاء والأسف مَا لم يملكُوا مَعَه أنفسهم فعلت أَصْوَاتهم بالبكاء فَأقبل عَلَيْهِم سقراط يلومهم ويعظهم وَقَالَ
إِنَّمَا صرفنَا النِّسَاء لِئَلَّا يكون مِنْهُنَّ مثل هَذَا
فأمسكوا استحياء مِنْهُ وقصدا للطاعة لَهُ على مضض شَدِيد مِنْهُم فِي فقد مثله
وَأخذ سقراط فِي الْمَشْي والتردد هنيهة ثمَّ قَالَ للخادم قد ثقلت رجلاي عَليّ
فَقَالَ لَهُ استلق
فاستلقى وَجعل الْغُلَام يجس قَدَمَيْهِ ويغمزهما وَيَقُول لَهُ هَل تحس غمزي لَهما قَالَ لَا
ثمَّ غمز غمزا شَدِيدا فَقَالَ لَهُ هَل تحس فَقَالَ لَا
ثمَّ غمز سَاقيه وَجعل يسْأَله سَاعَة بعد سَاعَة وَهُوَ يَقُول لَا وَأخذ يجمد أَولا فأولا ويشتد برده حَتَّى انْتهى ذَلِك إِلَى حقْوَيْهِ فَقَالَ الْخَادِم لنا إِذا انْتهى الْبرد إِلَى قلبه مضى
فَقَالَ لَهُ أقريطون يَا إِمَام الْحِكْمَة مَا أرى عقولنا لَا تبعد عَن عقلك فاعهد لنا
فَقَالَ عَلَيْكُم بِمَا أَمرتكُم بِهِ أَولا ثمَّ مد يَده إِلَى يَد أقريطون فوضعها على خَدّه فَقَالَ لَهُ مرني بِمَا تحب
فَلم يجبهُ بِشَيْء ثمَّ شخص ببصره وَقَالَ أسلمت نَفسِي إِلَى قَابض أنفس الْحُكَمَاء
وَمَات
فأطبق أقريطون عَيْنَيْهِ وَشد لحييْهِ وَلم يكن أفلاطون حَاضرا مَعَهم لِأَنَّهُ كَانَ مَرِيضا
وَذكر أَن سقراط هلك عَن اثْنَي عشر ألف تلميذ وتلميذ تلميذ
قَالَ المبشر بن فاتك وَكَانَ سقراط رجلا أَبيض أشقر أَزْرَق جيد الْعِظَام قَبِيح الْوَجْه ضيق مَا بَين الْمَنْكِبَيْنِ بطيء الْحَرَكَة سريع الْجَواب شعث اللِّحْيَة غير طَوِيل إِذا سُئِلَ أطرق حينا ثمَّ يُجيب بِأَلْفَاظ مقنعة
كثير التوحد قَلِيل الْأكل وَالشرب
شَدِيد التَّعَبُّد يكثر ذكر الْمَوْت قَلِيل الْأَسْفَار مجدا لرياضة بدنه خسيس الملبس مهيبا حسن الْمنطق لَا يُوجد فِيهِ خلل
مَاتَ بالسم وَله مائَة سنة وبضع سِنِين