وحَدثني الشَّيْخ موفق الدّين بن البوري الْكَاتِب النَّصْرَانِي قَالَ لما فتح الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب الكرك أَتَى إِلَى دمشق الْحَكِيم موفق الدّين يَعْقُوب بن سقلاب النَّصْرَانِي وَهُوَ شَاب على رَأسه كوفية وتخفيفة صَغِيرَة وَهُوَ لابس جوخة ملوطة زرقاء زِيّ أطباء الفرنج وَقصد الْحَكِيم موفق الدّين بن المطران وَصَارَ يَخْدمه ويتردد إِلَيْهِ لَعَلَّه يَنْفَعهُ فَقَالَ لَهُ هَذَا الزي الَّذِي أَنْت عَلَيْهِ مَا يمشي لَك بِهِ حَال فِي الطِّبّ فِي هَذِه الدولة بَين الْمُسلمين
وَإِنَّمَا الْمصلحَة أَن تغير زيك وتلبس عَادَة الْأَطِبَّاء فِي بِلَادنَا
ثمَّ أخرج لَهُ جُبَّة وَاسِعَة عنابية وبيقارا مكملا وَأمره أَن يَلْبسهُمَا
ثمَّ قَالَ لَهُ إِن هَهُنَا أَمِيرا كَبِيرا يُقَال لَهُ مَيْمُون القصري وَهُوَ مَرِيض وَأَنا أتردد إِلَيْهِ وأداويه فتعال معي حَتَّى تكون تعالجه
فَلَمَّا رَاح مَعَه قَالَ للأمير هَذَا طَبِيب فَاضل وَإِنِّي اعْتمد عَلَيْهِ فِي صناعَة الطِّبّ وأثق بِهِ فَيكون يلزمك ويباشر أحوالك فِي كل وَقت وَيُقِيم عنْدك إِلَى أَن تَبرأ إِن شَاءَ الله تَعَالَى
فامتثل قَوْله وَصَارَ الْحَكِيم يَعْقُوب ملازما لَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا إِلَى أَن تعافى فَأعْطَاهُ خَمْسمِائَة دِينَار
فَلَمَّا قبضهَا حملهَا إِلَى ابْن المطران وَقَالَ لَهُ يَا مَوْلَانَا هَذَا مَا أَعْطَانِي وَقد أحضرته إِلَى مَوْلَانَا فَقَالَ لَهُ خُذْهُ فَأَنا مَا قصدت إِلَّا نفعك
فَأَخذه ودعا لَهُ
وحَدثني الْحَكِيم عز الدّين أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن السويدي قَالَ كَانَ ابْن المطران جَالِسا على بَاب دَاره وَقد أَتَاهُ شَاب من أهل نعْمَة وَعَلِيهِ زِيّ الجندية وَأَعْطَاهُ ورقة فِيهَا اثْنَا عشر بَيْتا من الشّعْر يمتدحه بهَا
فَلَمَّا قَرَأَهَا ابْن المطران قَالَ أَنْت شَاعِر فَقَالَ لَا وَلَكِنِّي من أهل الْبيُوت وَقد نزل الدَّهْر بِي وَقد أتيت الْمولى وَجعلت قيادي بِيَدِك لتدبرني مِمَّا حسن فِيهِ رَأْيك العالي
فَدخل إِلَى دَاره واستدعى الشَّاب وَقدم لَهُ طَعَاما فَأكل وَقَالَ لَهُ إيش تَقول قد مرض عز الدّين فرخشاه صَاحب صرخد وَهَذَا الْمَرَض يعتاده فِي كل حِين فَإِنِّي رَأَيْت أَن أسيرك إِلَيْهِ تعالجه فَهُوَ يحصل لَك من جِهَته شَيْء جيد
قَالَ لَهُ يَا مولَايَ من أَيْن لي معرفَة بصناعة الطِّبّ أَو دربة فَقَالَ مَا عَلَيْك أَنا أكتب مَعَك دستورا تمشي عَلَيْهِ وَلَا تخرج عَنهُ
فَقَالَ الشَّاب السّمع وَالطَّاعَة فَلَمَّا خرج الشَّاب لحقه الْغُلَام ببقجة فِيهَا عدَّة قطع قماش مخيط وَفرس بسرج ولجام فَقَالَ لَهُ خُذ هَذَا القماش البسه وَهَذَا الْفرس اركبه وتجهز إِلَى صرخد
فَقَالَ لَهُ يَا سَيِّدي
إِنَّه لم يكن لي مَكَان أَبيت الْفرس
فَقَالَ اتركها عندنَا وَشد عَلَيْهَا بكرَة النَّهَار وسافر على خيرة الله تَعَالَى
فَلَمَّا كَانَ بكرَة النَّهَار حضر الشَّاب إِلَى بَاب دَار ابْن المطران فَأعْطَاهُ كتابا قد كتبه على يَده إِلَى عز الدّين فرخشاه صَاحب صرخد وَأَعْطَاهُ تذكرة بِمَا يعتمده فِي مداواته وَأَعْطَاهُ مِائَتي دِرْهَم وَقَالَ اتركها عِنْد بَيْتك نَفَقَة
وسافر الشَّاب إِلَى صرخد وداوى عز الدّين فرخشاه بِمَا أمره بِهِ فبرأ وَدخل الْحمام وخلع عَلَيْهِ خلعة مليحة من أَجود مَا يكون وَأَعْطَاهُ بغلة بسرج وسرفسار ذهب وَألف دِينَار مصرية وَقَالَ تخدمني فَقَالَ لَهُ مَا أقدر يَا مَوْلَانَا حَتَّى أشاور شَيْخي الْحَكِيم موفق الدّين ابْن المطران فَقَالَ لَهُ عز الدّين وَمن هُوَ الْحَكِيم موفق الدّين مَا هُوَ إِلَّا غُلَام أخي لَا سَبِيل إِلَى