مصر بالشيخ الْمَعْرُوف بِابْن جَمِيع الْمصْرِيّ وانتفع بِهِ
وَكَانَ وُصُوله مَعَ أَبِيه إِلَى دمشق فِي سنة خمس وَخمسين وَخَمْسمِائة وَكَانَ فِي ذَلِك الْوَقْت ملكهَا السُّلْطَان الْملك الْعَادِل نور الدّين مَحْمُود بن زنكي
وَأقَام رَضِي الدّين ووالده بِدِمَشْق سِنِين وَتُوفِّي وَالِده بهَا وَدفن بجبل قاسيون
وَبَقِي رَضِي الدّين قاطنا بِدِمَشْق وملازما للدكان لمعالجة المرضى وَنسخ بهَا كتبا كَثِيرَة وَبَقِي على تِلْكَ الْحَال مُدَّة
واشتغل على مهذب الدّين بن النقاش الطَّبِيب ولازمه فَنَوَّهَ بِذكرِهِ وَقدمه وتأدت بِهِ الْحَال إِلَى أَن اجْتمع بِالْملكِ النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب فَحسن موقعه عِنْده وَأطلق لَهُ فِي كل شهر ثَلَاثِينَ دِينَارا وَيكون ملازما للقلعة والبيمارستان
فَبَقيَ كَذَلِك مُدَّة دولة صَلَاح الدّين بأسرها
وَكَانَ صَلَاح الدّين قد طلبه للْخدمَة فِي السّفر فَلم يفعل وَلما توفّي صَلَاح الدّين رَحمَه الله بِدِمَشْق وَذَلِكَ فِي لَيْلَة الْأَرْبَعَاء ثلث اللَّيْل الأول سَابِع وَعشْرين صفر سنة تسع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وانتقل الْملك عَن أَوْلَاده إِلَى أَخِيه الْملك الْعَادِل أبي بكر بن أَيُّوب وَاسْتولى على الْبِلَاد أَمر بِأَن يكون فِي خدمته فِي الصُّحْبَة فَلم يجب إِلَى ذَلِك وَطلب أَن يكون مُقيما بِدِمَشْق فَأطلق لَهُ الْملك الْعَادِل مَا كَانَ مقررا باسمه فِي أَيَّام صَلَاح الدّين وَأَن يبْقى مستمرا على مَا هُوَ عَلَيْهِ
وَبَقِي على ذَلِك أَيْضا إِلَى أَن توفّي الْملك الْعَادِل وَملك بعده الْملك الْمُعظم عِيسَى ابْن الْملك الْعَادِل فَأجرى لَهُ خَمْسَة عشر دِينَارا وَيكون مترددا إِلَى البيمارستان فَبَقيَ مترددا إِلَيْهِ إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله
واشتغل عَلَيْهِ بصناعة الطِّبّ خلق كثير ونبغ مِنْهُم جمَاعَة عدَّة
وأقرأوا لغَيرهم وصاروا من الْمَشَايِخ الْمَذْكُورين فِي صناعَة الطِّبّ
وَلَو اعْتبر أحد جُمْهُور الْأَطِبَّاء بِالشَّام لوجد إِمَّا أَن يكون مِنْهُم من قد قَرَأَ على الرَّحبِي أَو من قَرَأَ على من قَرَأَ عَلَيْهِ
وَكَانَ من جملَة من قد قَرَأَ عَلَيْهِ أَيْضا فِي أول أمره الشَّيْخ مهذب الدّين عبد الرَّحِيم بن عَليّ قبل ملازمته لِابْنِ المطران
وحَدثني الشَّيْخ رَضِي الدّين يَوْمًا قَالَ إِن جَمِيع من قَرَأَ عَليّ ولازمني فَإِنَّهُم سعدوا وانتفع النَّاس بهم وَذكر لي أَسمَاء كثيرين مِنْهُم قد تميزوا واشتهروا فِي صناعَة الطِّبّ مِنْهُم من قد مَاتَ وَمِنْهُم من كَانَ بعد فِي الْحَيَاة
وَكَانَ يرى أَنه لَا يقرئ أحدا من أهل الذِّمَّة أصلا صناعَة الطِّبّ وَلَا لمن لَا يجده أَهلا لَهَا
وَكَانَ يُعْطي الصِّنَاعَة حَقّهَا من الرآسة والتعظيم
وَقَالَ لي أَنه لم يقْرَأ فِي سَائِر عمره من أهل الذِّمَّة سوى اثْنَيْنِ لَا غير أَحدهمَا الْحَكِيم عمرَان الإسرائيلي وَالْآخر إِبْرَاهِيم بن خلف السامري بعد أَن ثقلا عَلَيْهِ بِكُل طَرِيق
وتشفعا عِنْده بجهات لَا يُمكنهُ ردهم
وكل مِنْهُمَا نبغ وَصَارَ طبيا فَاضلا
وَلَا شكّ أَن من الْمَشَايِخ من يكون للاشتغال عَلَيْهِ بركَة وَسعد كَمَا يُوجد ذَلِك فِي بعض الْكتب المصنفة دون غَيرهَا فِي علم علم
وَكنت فِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاث وَعشْرين وسِتمِائَة قد قَرَأت عَلَيْهِ كتابا فِي الطِّبّ وَلَا سِيمَا فِيمَا يتَعَلَّق بالجزء العملي من كَلَام أبي بكر مُحَمَّد بن زَكَرِيَّا الرَّازِيّ وَغَيره وانتفعت بِهِ
وَكَانَ الشَّيْخ رَضِي الدّين محبا للتِّجَارَة مغرى بهَا
وَكَانَ يُرَاعِي مزاجه ويعتني بِحِفْظ صِحَّته
وَقَالَ الصاحب جمال الدّين أَبُو الْحسن عَليّ بن يُوسُف بن إِبْرَاهِيم القفطي عَن الْحَكِيم الرَّحبِي أَنه كَانَ يلْزم فِي