الْكتب وتحصيلها وَنَفسه تشرئب إِلَى طلب الْفَضَائِل وتفصيلها
وَله تدقيق فِي الصِّنَاعَة الطبية وَتَحْقِيق لمباحثها الْكُلية والجزئية
وَله فِي الطِّبّ كتب مؤلفة وحواش مُتَفَرِّقَة
واشتغل بصناعة الطِّبّ على أَبِيه وَقَرَأَ أَيْضا على الشَّيْخ موفق الدّين عبد اللَّطِيف بن يُوسُف الْبَغْدَادِيّ وحرر عَلَيْهِ كثيرا من الْعُلُوم وَلَا سِيمَا من تصانيف الشَّيْخ موفق الدّين الْبَغْدَادِيّ
واشتغل أَيْضا بالأدب على الشَّيْخ علم الدّين السخاوي وعَلى غَيره من الْعلمَاء
وَقد أتقن علم الْأَدَب إتقانا لَا مزِيد عَلَيْهِ وَلَا يُشَارِكهُ أحد فِيهِ
وَله فطْرَة جَيِّدَة فِي قَول الشّعْر وَأحب مَا إِلَيْهِ التخلي مَعَ نَفسه والملازمة لقرَاءَته ودرسه والإطلاع على آثَار القدماء وَالِانْتِفَاع بمؤلفات الْحُكَمَاء
وَكَانَ نزيه النَّفس عالي الهمة لم يُؤثر التَّرَدُّد إِلَى الْمُلُوك وَلَا إِلَى أَرْبَاب الدولة
وخدم مُدَّة فِي البيمارستان الْكَبِير الَّذِي أنشأه الْملك الْعَادِل نور الدّين بن زنكي
وَلما وقف شَيخنَا مهذب الدّين عبد الرَّحِيم بن عَليّ رَحمَه الله الدَّار الَّتِي لَهُ بِدِمَشْق وَجعلهَا مدرسة يدرس فِيهَا صناعَة الطِّبّ وَينْتَفع الْمُسلمُونَ بقراءتهم فِيهَا أوصى أَن يكون مدرسها شرف الدّين بن الرَّحبِي لما قد تحَققه من علمه وفهمه فَتَوَلّى التدريس بهَا مُدَّة وَتُوفِّي شرف الدّين بن الرَّحبِي بِدِمَشْق وَدفن بجبل قاسيون
وَكَانَت وَفَاته رَحمَه الله فِي اللَّيْلَة الَّتِي صباحها يَوْم الْجُمُعَة حادي عشر الْمحرم سنة سبع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة بعلة ذَات الْجنب
وحَدثني الْحَكِيم بدر الدّين بن قَاضِي بعلبك وشمس الدّين الكتبي الْمَعْرُوف بالخواتمي قَالَا كَانَ شرف الدّين قبل أَن يمرض وَيَمُوت بأشهر يَقُول للْجَمَاعَة المترددين إِلَيْهِ والتلاميذ المشتغلين عَلَيْهِ إِنَّه بعد قَلِيل أَمُوت وَذَلِكَ يكون عِنْد قرَان الكوكبين
ثمَّ يَقُول لَهُم قُولُوا للنَّاس هَذَا حَتَّى يعرفوا مِقْدَار علمي فِي حَياتِي وَعلمِي بِوَقْت موتِي
وَكَانَ قَوْله مُوَافقا لما حكم بِهِ
وَمن شعر شرف الدّين بن الرَّحبِي وَهُوَ مِمَّا أَنْشدني لنَفسِهِ فَمن ذَلِك قَالَ
(سِهَام المنايا فِي الورى لَيْسَ تمنع ... فَكل لَهُ يَوْمًا وَإِن عَاشَ مصرع)
(وكل وَإِن طَال المدى سَوف يَنْتَهِي ... إِلَى قَعْر لحد فِي ثرى مِنْهُ يودع)
(فَقل للَّذي قد عَاشَ بعد قرينه ... إِلَى مثلهَا عَمَّا قَلِيل ستدفع)
(فَكل ابْن أُنْثَى سَوف يُفْضِي إِلَى ردى ... وَيَرْفَعهُ بعد الأرائك شرجع)
(ويدركه يَوْمًا وَإِن عَاشَ بُرْهَة ... قَضَاء تساوى فِيهِ هم ومرضع)
(فَلَا يفرحن يَوْمًا بطول حَيَاته ... لَبِيب فَمَا فِي عيشة الْمَرْء مطمع)
(فَمَا الْعَيْش إِلَّا مثل لمحة بارق ... وَمَا الْمَوْت إِلَّا مثل مَا الْعين تهجع)
(وَمَا النَّاس إِلَّا كالنبات فيابس ... هشيم وغض إِثْر مَا باد يطلع)
(فتبا لدُنْيَا مَا تزَال تعلنا ... أفاويق كأس مرّة لَيْسَ تقنع)
(سَحَاب أمانيها جهام وبرقها ... إِذا شيم برق خلب لَيْسَ يهمع)