(تبَاعد عَنْهُم وَحْشَة كل وامق ... وعافهم الأهلون وَالنَّاس أجمع)
(وقاطعهم من كَانَ حَال حياتهم ... بوصلهم وجدا بهم لَيْسَ يطْمع)
(يبكيهم الْأَعْدَاء من سوء حَالهم ... ويرحمهم من كَانَ ضدا ويجزع)
(فَقل للَّذي قد غره طول عمره ... وَمَا قد حواه من زخارف تخدع)
(أفق وَانْظُر الدُّنْيَا بِعَين بَصِيرَة ... تَجِد كل مَا فِيهَا ودائع ترجع)
(فَأَيْنَ الْمُلُوك الصَّيْد قدما وَمن حوى ... من الأَرْض مَا كَانَت بِهِ الشَّمْس تطلع)
(حواه ضريح من فضاء بسيطها ... يقصر عَن جثمانه حِين يذرع)
(فكم ملك أضحى بِهِ ذَا مذلة ... وَقد كَانَ حَيا للمهابة يتبع)
(يَقُود على الْخَيل الْعتاق فوارسا ... يسد بهَا رحب الفيافي ويترع)
(فَأصْبح من بعد التنعم فِي ثرى ... توارى عظاما مِنْهُ بهماء بلقع)
(بَعيدا على قرب المزايا إيابه ... فَلَيْسَ لَهُ حَتَّى الْقِيَامَة مرجع)
(غَرِيبا عَن الأحباب والأهل ثاويا ... بأقصى فلاة خرقه لَيْسَ يرقع)
(تلح عَلَيْهِ السافيات بمنزل ... جديب وَقد كَانَت بِهِ الأَرْض تمرع)
(رهينا بِهِ لَا يملك الدَّهْر رَجْعَة ... وَلَا يستطيعن الْكَلَام فَيسمع)
(توسد فِيهِ الترب من بعد مَا اغتدى ... زَمَانا على فرش من الْخَزّ يرفع)
(كَذَلِك حكم النائبات فَلَنْ ترى ... من النَّاس حَيا شَمله لَيْسَ يصدع) الطَّوِيل
وأنشدني أَيْضا لنَفسِهِ
(تساق بَنو الدُّنْيَا إِلَى الحتف عنْوَة ... وَلَا يشْعر الْبَاقِي بِحَالَة من يمْضِي)
(كَأَنَّهُمْ الْأَنْعَام فِي جهل بَعْضهَا ... بِمَا تمّ من سفك الدِّمَاء على بعض) الطَّوِيل
وأنشدني أَيْضا لنَفسِهِ
(لَيْسَ يجدي ذكر الْفَتى بعد موت ... فاطرح مَا يَقُوله السُّفَهَاء)
(إِنَّمَا يدْرك التألم واللذة ... حَيّ لَا صَخْرَة صماء) الْخَفِيف
وَقَالَ وأنشدني إِيَّاهَا لما توفّي الْملك الْكَامِل مُحَمَّد بن أبي بكر بن أَيُّوب بِدِمَشْق وَذَلِكَ فِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة
(كم قَالَ جهلا بِأَنِّي إِن أمت ... يزل النظام وَيفْسد الثَّقَلَان)
(وافاه مفضي الْحمام وَلم يرع ... حَيّ وَلم يحفل بِهِ اثْنَان)
(فغدا لَقِي تَحت التُّرَاب مجندلا ... لم ينتطح فِي مَوته عنزان)