(فَكيف مَعَ قلَّة الْجَارِي وخسته ... والبعد عَن كل ذِي فضل وَذي أدب)
(فعد إِلَى جنَّة الدُّنْيَا فقد برزت ... لمجتلي الْحسن فِي أثوابها القشب)
(وَلَا تقم بسواها مَعَ حُصُول غنى ... فالعمر فِيمَا سواهَا غير محتسب)
(واقطع زَمَانك طيبا فِي محاسنها ... وعد إِلَى اللَّهْو وَاللَّذَّات والطرب)
(وبادر الْعُمر قبل الْفَوْت مغتنما ... مَا دمت حَيا فَإِن الْمَوْت فِي الطّلب)
(وَخذ عيَانًا إِذا مَا أمكنت فرص ... وَلَا تبع طيب مَوْجُود بمرتقب)
(فالعمر منصرم وَالْوَقْت مغتنم ... والدهر ذُو غير فأنعم بِهِ تصب)
(فاعمل بِقَوْلِي وَلَا تجنح إِلَى أحد ... مِمَّن يفند من عمري وَذي رغب)
(يرى السَّعَادَة فِي نيل الحطام وَلَو ... حواه مَعَ نصب من سوء مكتسب)
(فاستدرك الْفَائِت الْمقْضِي فِي عمر ... فَلَيْسَ بالنأي عَن مثواك من كثب)
(وَلَا تعش عَيْش ذِي نقص وَكن أبدا ... مِمَّن سمت همة مِنْهُ على الشهب)
(واغنم حَيَاة أَب مَا زَالَ ذَا حزن ... مذ غبت عَنهُ لبعد مِنْك مكتئب)
(فلست تعدم مَعَ رُؤْيَاهُ مكتسبا ... يسد بالقنع من عري وَمن سغب)
(فَالرَّأْي مَا قلته فاعمل بِهِ عجلا ... وَلَا تصخ نَحْو فدم غير ذِي حدب)
(فغفلة الْمَرْء مَعَ علم وَمَعْرِفَة ... عَن وَاضح بَين من أعجب الْعجب) الْبَسِيط
فَقلت فِي جَوَابه وَكتب بهَا إِلَيْهِ
(مولَايَ يَا شرف الدّين الَّذِي بلغت ... أدنى مساعيه أَعلَى رُتْبَة بالأدب)
(وَمن سمت فِي سَمَاء الْمجد همته ... فأدركت فِي الْمَعَالِي أرفع الرتب)
(قد فاق بقراط فِي علم وَفِي حكم ... وفَاق سحبان فِي شعر وَفِي خطب)
(لَهُ التصانيف فِي كل الْعُلُوم وَلَا ... شَيْء يماثلها من سَائِر الْكتب)
(أقدارها قد علت فِي النَّاس وَارْتَفَعت ... عَن كل شبه كَمثل السَّبْعَة الشهب)
(فِيهَا الْمعَانِي الَّتِي كالدر قد نظمت ... فِي سلك خطّ وَخير اللَّفْظ منتخب)
(وَلَا عَجِيب لدر كَانَ مورده ... من بَحر علم لمولى فِي العلى دئب)
(قد نَالَ رَاحَة تَحْصِيل الْعُلُوم وَمَا ... من رَاحَة حصلت إِلَّا عَن التَّعَب)
(ورام مسعاه أَقوام وَمَا بلغُوا ... الْبَعْض مِنْهُ وكل جد فِي الطّلب)
(وكل علم وجود فَهُوَ مِنْهُ إِلَى ... من يجتديه كغيث دَائِم الصيب)
(لله كم من أياد مِنْهُ قد وصلت ... إِلَيّ فِي سالف الْأَيَّام والحقب)
(إِنِّي لأشكرها مَا دمت مُجْتَهدا ... وشكر نعماه طول الدَّهْر أَجْدَر بِي)
(عِنْدِي من الْبَين أشواق إِلَيْك كَمَا ... للنَّاس فِي الجدب أشواق إِلَى السحب)
(تهمي دموعي إِذا مَا غن ذكركُمْ ... على فؤاد بِنَار الشوق ملتهب)