أبي بكر بن أَيُّوب
وخدم صَلَاح الدّين بن ياغيسان وَكَانَ هَذَا صَلَاح الدّين قد تزوج الْملك الأوحد ابْن الْملك الْعَادِل بأخته وَكَانَ سديد الدّين بن رقيقَة يتَرَدَّد إِلَى خدمتها أَيْضا وَكَانَت كَثِيرَة الْإِحْسَان إِلَيْهِ
وَأقَام بخلاط مُدَّة إِلَى أَن توفّي الْملك الأوحد فِي ملازكرد بعلة ذَات الْجنب وَذَلِكَ فِي يَوْم السبت ثامن عشر ربيع الأول سنة تسع وسِتمِائَة
وَكَانَ يعالجه هُوَ وَصدقَة السامري
وخدم أَيْضا بعد ذَلِك الْملك الْأَشْرَف أَبَا الْفَتْح مُوسَى ابْن الْملك الْعَادِل وَأقَام بميافارقين سِنِين كَثِيرَة
وَلما كَانَ فِي ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وصل سديد الدّين بن رَقِيقه إِلَى دمشق إِلَى السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف فَأكْرمه واحترمه
وَأمر بِأَن يتَرَدَّد إِلَى الدّور السُّلْطَانِيَّة بالقلعة وَأَن يواظب أَيْضا معالجة المرضى بالبيمارستان الْكَبِير الَّذِي أنشأه الْملك الْعَادِل نور الدّين بن زنكي وَأطلق لَهُ جامكية وجراية
وَكَانَ لي أَيْضا فِي ذَلِك الْوَقْت مُقَرر جامكية وجراية لمعالجة المرضى فِي هَذَا البيمارستان وتصاحبنا مُدَّة فَوجدت من كَمَال مروءته وَشرف أرومته وغزارة علمه وَحسن تَأتيه فِي معرفَة الْأَمْرَاض ومداواتها مَا يفوق الْوَصْف
وَلم يزل بِدِمَشْق وَهُوَ يشْتَغل بصناعة الطِّبّ إِلَى أَن توفّي رَحمَه الله فِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة وَكنت أَنا قد انْتَقَلت إِلَى صرخد فِي خدمَة صَاحبهَا الْأَمِير عز الدّين المعظمي فِي شهر ربيع الأول سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة
وَمن شعر سديد الدّين بن رقيقَة وَهُوَ مِمَّا أَنْشدني لنَفسِهِ فَمن ذَلِك قَالَ
(يَا ملبسي بالنطق ثوب كَرَامَة ... ومكملي جواد بِهِ ومقومي)
(خذني إِذا أَجلي تناهى وانقضى ... عمري على خطّ إِلَيْك مقوم)
(واكشف بلطفك يَا إلهي غمتي ... وَأجل الصدا عَن نفس عَبدك وَارْحَمْ)
(فعساي من بعد المهانة أكتسي ... حلل المهابة فِي الْمحل الأكرم)
(وأبوء بالفردوس بعد إقامتي ... فِي منزل بَادِي السماجة مظلم)
(فقد اجتويت ثواي فِيهِ وَمن تكن ... دَار الْغرُور لَهُ محلا يسأم)
(دَار يُغَادر بؤسها وشقاءها ... من حلهَا وَكَأَنَّهُ لم ينعم)
(ويديل صافي عيشه وحياته ... كدرا فَلَا تجنح إِلَيْهَا تسلم)
(فبك المعاذ إلهنا من شَرها ... وَبِك الملاذ من الغواية فاعصم)
(وَعَلَيْك متكلي وعفوك لم يزل ... قصدي فوا خسراه إِن لم ترحم)
(يَا نفس جدي وادأبي وتمسكي ... بعرى الْهدى وعرى الْمَوَانِع فافصمي)
(لَا تهملي يَا نفس ذاتك أَن فِي ... نسيانها نِسْيَان رَبك فاعلمي)