الْكَامِل ابْن الْملك الْعَادِل وَمرض كثير من خواصه وَهُوَ صَاحب الديار المصرية فعالجه بألطف علاج إِلَى أَن برِئ
وَحصل لَهُ أَيْضا من الذَّهَب وَالْخلْع والعطايا السّنيَّة شَيْء كثير
وَكَانَ مبلغ مَا وصل إِلَيْهِ من الذَّهَب نَحْو اثْنَي عشر ألف دِينَار وَأَرْبع عشرَة بغلة بأطواق ذهب وَالْخلْع الْكَثِيرَة من الثِّيَاب الأطلس وَغَيرهَا
أَقُول وولاه السُّلْطَان الْكَبِير فِي ذَلِك الْوَقْت رياسة أطباء ديار مصر بأسرها وأطباء الشَّام وَكنت فِي ذَلِك الْوَقْت مَعَ أبي وَهُوَ فِي خدمَة الْملك الْعَادِل ففوض إِلَيْهِ النّظر فِي أَمر الكحالين واعتبارهم وَأَن من يصلح مِنْهُم لمعالجة أمراض الْعين ويرتضيه يكْتب لَهُ خطا بِمَا يعرفهُ مِنْهُ فَفعل ذَلِك
وَلما كَانَ فِي سنة أَرْبَعَة عشرَة وسِتمِائَة وَسمع الْملك الْعَادِل بتحرك الفرنج فِي السَّاحِل أَتَى إِلَى الشَّام وَأقَام بمرج الصفر ثمَّ حصل لَهُ وَهُوَ فِي أثْنَاء ذَلِك مرض وَهُوَ بمنزله بخانقين
وَتُوفِّي رَحمَه الله بهَا فِي السَّاعَة الثَّانِيَة من يَوْم الْجُمُعَة سَابِع جُمَادَى الآخر سنة خمس عشرَة وسِتمِائَة
وَلما اسْتَقر ملك الْملك الْمُعظم بِالشَّام استخدم جمَاعَة عدَّة مِمَّن كَانُوا فِي خدمَة أَبِيه الْملك الْعَادِل وانتظم فِي خدمته مِنْهُم من الْحُكَمَاء الْحَكِيم رشيد الدّين بن الصُّورِي وَأبي
وَأما الْحَكِيم مهذب الدّين فَإِنَّهُ أطلق لَهُ جامكية وجراية ورسم أَنه يُقيم بِدِمَشْق وَأَن يتَرَدَّد إِلَى البيمارستان الْكَبِير الَّذِي أنشأه الْملك الْعَادِل نور الدّين بن زنكي ويعالج المرضى بِهِ
وَلما أَقَامَ الشَّيْخ مهذب الدّين بِدِمَشْق شرع فِي تدريس صناعَة الطِّبّ وَاجْتمعَ إِلَيْهِ خلق كثير من أَعْيَان الْأَطِبَّاء وَغَيرهم يقرأون عَلَيْهِ وأقمت أَنا بِدِمَشْق لأجل الْقِرَاءَة عَلَيْهِ
وَأما أَولا فَكنت أشتغل عَلَيْهِ فِي المعسكر لما كَانَ أبي والحكيم مهذب الدّين فِي خدمَة السُّلْطَان الْكَبِير فَبَقيت أتردد إِلَيْهِ مَعَ الْجَمَاعَة وشرعت فِي قِرَاءَة كتب جالينوس وَكَانَ خَبِيرا بِكُل مَا يقْرَأ عَلَيْهِ من كتب جالينوس وَغَيرهَا
وَكَانَت كتب جالينوس تعجبه جدا
وَإِذا سمع شَيْئا من كَلَام جالينوس فِي ذكر الْأَمْرَاض ومداواتها وَالْأُصُول الطبية يَقُول هَذَا هُوَ الطِّبّ
وَكَانَ طلق اللِّسَان حسن التأدية للمعاني جيد الْبَحْث لازمته أَيْضا فِي وَقت معالجته للمرضى بالبيمارستان فتدربت مَعَه فِي ذَلِك وباشرت أَعمال صناعَة الطِّبّ
وَكَانَ فِي ذَلِك الْوَقْت أَيْضا مَعَه فِي البيمارستان لمعالجة المرضى الْحَكِيم عمرَان وَهُوَ من أَعْيَان الْأَطِبَّاء وأكابرهم فِي المداواة وَالتَّصَرُّف فِي أَنْوَاع العلاج فتضاعفت الْفَوَائِد المقتبسة من اجْتِمَاعهمَا وَمِمَّا كَانَ يجْرِي بَينهمَا من الْكَلَام فِي الْأَمْرَاض ومداواتها وَمِمَّا كَانَا يصفاه للمرضى
وَكَانَ الْحَكِيم مهذب الدّين يظْهر من ملح صناعَة الطِّبّ وَمن غرائب المداواة والتقصي فِي المعالجة والإقدام بِصِفَات الْأَدْوِيَة الَّتِي تبرئ فِي أسْرع وَقت مَا يفوق بِهِ أهل زَمَانه وَيحصل من تأثيرها شَيْء كَأَنَّهُ سحر
وَمن ذَلِك أنني رَأَيْته يَوْمًا وَقد أَتَى مَحْمُوم بحمى محرقة وقواريره فِي غَايَة الحدة فَاعْتبر قوته ثمَّ أَمر بِأَن يتْرك لَهُ فِي قدح بزور من الكافور مِقْدَارًا صَالحا عينه لَهُم فِي الدستور