للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَرْدَعُهَا تخويفًا ونُصْعَا، على أنَّ مِثْلَ هذا الفنِّ قد نَضَبَ اليوم مَاؤُه، وذهَبَ والأمْرُ لِلَّهِ تعالى رُوَاؤُه، وعَرَا أزهارَهُ الذُّبُول، وتُرِكَ في زوايا الخُمُول، والمتحدِّثُ به مُنْتَقَص، والمُشْتَغِلُ فيه منغَّص، وإنَّ الرغبات -اليَوْمَ- ممتدَّةٌ أعناقُهَا نَحْوَ تحصيل الأموالُّ؛ والتفاخُرِ للأنْذَال والأرزال (١)؛ فما أفادَتْ مدافَعَتي، ولم ينفعْ نُصْحِي ولا مؤاخَذَتِي؛ بل كَثُرَ الإلحاح، وزاد الاقْتِرَاح، وأكَّدَ ذلك الداعِيَ وافرُ رَغْبة بعض الإخوان، ومزيدُ حَثِّي وتَشْويقي على ما هنالك في كل آن، فَرَكِبْتُ تلكَ الشدائدَ والأخْطَار، واقتحمْتُ هَاتِيكَ الزَّوايا القرار، وكَلَّفْتُ نَفْسي فوق الطاقَهْ، وشَدَدتُّ عَلى كاهل العَزْم نِطَاقَهْ، حِرْصًا على ألاَّ يَبْقَى مِثْلُ هذا الكتاب، مضروبًا علَيْهِ من الخُمُولِ باب، وخدمةً للإخوان، إن وقع ذلك لَدَيْهِمْ في حَيِّزِ الاِسْتِحْسان، وسَمَّيْتُه: "عِقْدَ الدُّرَر، فيِ شَرْح مُخْتَصَرِ نُخْبَةِ الْفِكَر"

والله أسْأل أن ييسِّر لي ذلك، ويسهِّلَ لي هاتيك المسالك، وأنْ ينفَعَ به


(١) قال الإمام الذهبي المتوفى سنة (٧٤٨ هـ) بعد أن ذكر رجال الطبقة الثامنة في كتابه "تذكرة الحفاظ": "فهؤلاء المسمون في هذه الطبقة هم ثقات الحفاظ ولعل قد أهملنا طائفة من نظرائهم فإن المجلس الواحد في هذا الوقت كان يجتمع فيه أزيد من عشرة الآف محبرة يكتبون الآثار النبوية ويعتنون بهذا الشأن، وبينهم نحو من مائتي إمام قد برزوا وتأهلوا للفتيا فلقد تفانى أصحاب الحديث وتلاشوا، وتبدل الناس بطلبة يهزأ بهم أعداء الحديث والسنة ويسخرون منهم وصار علماء العصر في الغالب عاكفين على التقليد في الفروع، من غير تحرير لها، ومكبين على عقليات من حكمة الأوائل وآراء المتكلمين من غير أن يتعقلوا أكثرها فعم البلاء واستحكمت الأهواء، ولاحت مباديء رفع العلم وقبضه من الناس. فرحم الله امرءاً أقبل على شأنه، وقصر من لسانه، وأقبل على تلاوة قرآنه وبكى على زمانه وأدمن النظر في الصحيحين، وعبد الله قبل أن يبغته الأجل اللهم فوفق وارحم". اه. "تذكرة الحفاظ" (٢/ ٥٣٠).
قلتُ: هذا كلام الألوسي المتوفى سنة والذهبي من قبله المتوفى سنة (٧٤٨ هـ) فماذا نقول نحن في هذا الزمان فإنا لله وإنا إليه راجعون.

<<  <   >  >>