قال المصنِّف عليه الرحْمَة -: "بسْم اللَّهِ الرَّحْمن الرَّحيم"
لا يخفى أن الكلام على البَسْملة ونحوهَا شهير، لا حاجَةَ لنا [إليه] في مثل هذا التقرير، فالأَوْلَى بنا الاكتفاءُ بما لابُدَّ من ذِكْره، وهو تحقيقُ الخَبَرِ والإنشاء في الجملة المقدَّرة بها البسملَةُ - أعني: قولنًا: "أُؤَلِّفُ مستعينًا أو متبِّركًا باسم الله … إلخ"؛ فنقول: لا شكَّ أن قولنَا: "مستعينًا" أو "متبرِّكًا" حالٌ من فاعل "أُؤَلِّف" وقد تقرَّر أن الحال قَيْدٌ في عاملها، فههنا: مُقيَّد وقَيْد.
والأَوَّل: خبر، لصِدْقِ حَدِّ الخبر عليه، وهو: ما يتحقَّق مدلولُهُ بدون ذِكْر دالِّه، ولا شُبْهَةَ أنَّ الدالَّ يتحقَّق خارجًا بدون ذِكْر "أُؤَلِّف".
والثاني: إنشاءٌ؛ لِصِدْق حَدِّ الإنشاء عليه؛ وهو: ما يتحقَّقُ مدلولُهُ بذكْرِ دالِّهِ؛ ولا شكَّ أن كُلًا من الاستعانة والتبرُّك، لا يتحقَّق مدلولُهُ بدون ذِكْر اللفْظِ الدالِّ عليه؛ وهو قولنا:"مستعينًا" أو "متبرِّكًا".
فقد أتَّضَحَ محَلُّ الخبريَّة والإنشائيَّة في جُمْلة البَسْملة، وسقَطَ استشكالُ كَوْنِهَا إنشائيَّةً؛ بأنَّ شأن الإنشاء لا يتحقَّق مدلوله بدون ذِكْر اللفْظِ الدالِّ عليه، والأمْرُ -هنا- ليس كذلك؛ لتحقُّق التأليف بدُون ذكْر "أُؤَلِّف"، وكونُهَا خبريَّةً بأنَّ الخَبَرَ شأنُهُ تحقُّقُ مدلوِلِه بدون ذِكْرِ اللفْظِ الدالِّ عليه، وما هنا: ليس كذلكَ؛ لأنَّ الاستعانَةَ -مثلًا- لا يتحقَّق مدلولُهَا بدون ذِكْر اللفظ الدالِّ عليها، والقَوْلُ بأنَّ الجملة بتمامها إنشائيةٌ؛ تبعًا لإنشاء المتعلَّق -: غَيْرُ سَدِيد.
وفي هذا المقامِ زيادَةُ تحقيقٍ ذكرْتُهُ في "كَنْز السعادة"(١).
(١) هو كتاب "كنز السعادة، في شرح كلمتي الشهادة" منه نسخة خطية في مكتبة المتحف العراقي برقم ٨٦٩٤، وتقع في (٥٦) ورقة وقد فرغ من كتابتها في سنة ١٢٩٨ هـ.