وهو أصناف منه الوحشي والأهلي، ومن الوحشي اللقلق، ومن الأهلي الصيني وفراخه تخرج كاسية كاسبة، كالفراريج، وذكر أصحاب الكتب المصنفة في العجائب أن بالرانج بط بيض، وحمر ورقط طوال الأعناق، قصار الأرجل، والبط وإن كان مما يطير على وجه الماء فلا ينبغي أن يحكم عليه بما يحكم على طير لأنه ليس بلونه دائما، ولا يعوم فيه ولا يأكل السمك في كل غذائه، فإنه يأكل النبات والبزور، وهو وإن كان ذا جناح فيه من الريش والقوادم والخوافي فليس بناهض، وإنما انتفاعه بجناحيه أن يكون حتى حدره الماء الجاري إلى مكان لا يجتاز طار مصعدا على وجه الماء في البخار الرطب لا غير، ولهذا الطائر قضيب يخرج من دبره كذكر الكلب عظيم جدا في رأسه زر كالفلكة فإذا سفد لم يخرجه حتى ينقلب تحته، ويحصل له من الأنثى عند السفاد ما يحصل للكلب من الالتحام.
[الوصف والتشبيه]
قال بعض الشعراء يصف بطة:
اتينا بط كسكر بثياب ... مفصلة من الحرق الحرير
وقد كشفت لنا عن عظم ساق ... قصير مثل قائمة السرير
محملة مناكبها الروابي ... جناحي مثل كركرة البعير
برأس مثل فهر المسك داح ... ومنقار كملعقة البعير
وقال محمد بن أبي زرعة وقد اقترح عليه بعض أصحابه أن يقول في جماعة من البط كانت في بركة ما فقال بديها:
كأنهن وقد أقبلن في نسق ... قراقر العاج قد قمعن بالذهب
[القول في طبائع النحام]
وهذا الطير يكون أفرادا وأزواجا، وإذا أراد المبيت اجتمع رفوفا فذكوره تنام وإناثه لا تنام، وتعد لها مبايت، إذا ذعرت إحداها طارت إلى آخر، ويقال: إنه لا يسفد، ولا يخرج فراخه بالحضن، وإنما تبيض من زق الذكر لها، وإذا باضت تغربت وتفردت وبقي الذكر عند البيض يذرق عليه فيقوم حمو الذرق عليه مقام الحضن فإذا تمت مدة الحضن خرجت الفراخ لا حراك بها فتجيء الأنثى فتنفخ في مناقيرها، حتى يجري الريح فيها روحا ثم يتعاون الذكر والأنثى على التربية، وفي الذكر غلظ طبع وقلة وفاء فإنه إذا علم أن فراخه قد قويت على الطعم ضربها وطردها وتذهب الأم معها فلا تقربه إلى وقت السفاد.
[القول في طبائع الأنيس]
هذا الطائر لم أر أحدا من المتكلمين في طبائع الحيوان ذكره غير أرسطو فإنني عثرت عند مطالعتي لكتاب الحيوان له على ذكره لهذا الطائر، ويغلب على ظني أنه الذي يسميه رماة البندق الانيسه، والله أعلم، قال: وهذا الطائر حاد البصر، وصوته يشبه صوت الجمل، ويحاكيه ومأمواه في قرب الأنهار، وفي الأماكن الكثيرة المياه الملتفة الشجر وله حسن وتدبير في معاشه.
[فصل]
وكنت أسمع بشحم القاوند، ولم أدر أهو حيوان هوائي أم مائي أم أرضي حتى وقفت على كتاب موضوع في طبائع الحيوان، وخواصه ليس عليه اسم المصنف فرأيته قد قال: القاوند طير يتخذ وكره على ساحل البحر، ويحضن بيضه في شفير الرمل وذلك في طبعه عند قسوة الشتاء وشدة البرد، وهو يحضن أيضاً بيضه سبعة أيام، ويخرج فراخه في اليوم السابع، ثم يزقها سبعة أيام أيضاً والمسافرون في البحر يتيمنون بهذه الأيام ويوقنون بطيب الوقت، وحلول أوان السفر، ثم قال والمعتبرون بحال هذا الطير يقولون: إن الله تعالى يمسك أمواج البحار عند هيجانها، في زمن الشتاء عن مبيض هذا الطائر وفراخه ببره لأبويه عند كبرهما، وذلك أنهما إذا كبرا حمل إليهما قوتهما وعالهما مدة حياتهما إلى أن يموتا.
[فصل]
وقد مضى القول فيما نبل من الطير صورة مستوفاة على قدر الاستطاعة فليلحق بذلك ما صغر جرمه، وأهم ما نبدأ بذكره منه، حسن مرأى ومسمعا وأتحفه بهما القدر معا.