للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والنواح: وهو طائر كالقمري، وحاله حاله إلا أنه أحر منه مزاجاً، وأرطب، وأدمث وأشرف ويكون للأطيار الدمثة ملكاً، وهو بصوته يهيجها إلى التصويت، لأنه أشجاها صوتاً، وأنعمها، وجميعها تهوى استماع صوته وتؤثره، وكأنه مخنث طيب الغناء يسره استماع غناء نفسه.

والقطا: وهو نوعان كدري، وجوني، فالكدر غبر الألوان رقش الظهرو والبطون، صفر الحلوق، قصار الأذناب، وهو الطف من اجوني.

والجونية سود بطون الأجنحة والقوادم، ولبابها أبيض، وفيه طوقان أصفر وأسود، والظهر أغبر أرقط تعلوه صفرة، وتسمى الجونية غتما، لأنها لا تفصح بصوتها، إذا صوتت، إنما تغرغر بصوتها في حلقها، والكدرية فصيحة، تنادي باسمها، ولهذا يضرب المثل بها في الصدق، قالوا: والقطاة لا تضع بيضها أبداً إلا أفراداً،) وهي ثلاثة (، وفي طبعها أنها إذا أرادت الماء ارتفعت من أفاحيصها أسراباً لا متفرقة عند طلوع الفجر إلى حين طلوع الشمس مسيرة سبع مراحل فحينئذ تقع على الماء، وتشرب نهلاً، والنهل شرب الإبل والغنم أول مرة، فإذا شربت أقامت حول الماء متشاغلة إلى مقدر ساعتين أو ثلاث، ثم تعود إلى الماء ثانية، وتوصف بالهداية، والعرب تضرب المثل بها في ذلك، وذلك أنها تبيض في القفر، وتستقي لأولادها من البعد في الليل والنهار، فتجيء في الظلماء، وفي حواصلها الماء، فإذا صارت حيال أولادها صاحت " قطا " فلم تخطء بلا علم، ولا شجرة، ولا علامة، ولا دليل وقال أبو زياد الكلابي: أن القطا يطلب الماء من مسيرة عشرين ليلة، وفوقها، ودونها وهي تنهض من أفاحيصها حين يطلع الفجر فترد الماء ضحى، والذي ترد من عشرة أيام تنهض مع الأشراق، وهو طلوع الشمس، وتوصف القطا بحسن المشي لتقارب خطاها، والعرب تشبه مشي النساء الخفرات بمشيها ونصفه به.

[الوصف والتشبيه]

قال أعرابي من أبيات:

كأنها حين تهادى تهتلك ... شمس وظل ذا بهذا يأتفك

ومعنى يأتفك يجيء ويذهب لأن ريش جناحها أسود وريش بدنها أبيض، إذا خفقت بهما انقسم النظر إلى السواد والبياض، وقال آخر:

أما القطاة فإني سوف أنعتها ... نعتاً يوافق منها بعض ما فيها

سكاء مخطوطة في ريشها طرق ... صهب قوادمها كدر خوافيها

منقارها كنواة القشب قلمها ... بمبرد حذق الكفين باريها

تمشي كمشي فتاة الحي مسرعة ... حذار قوم إلى سترٍ يواريها

تسقي الفراخ بأفواه مرفقة ... مثل القوارير شدت من أعاليها

وقال أبو إسحاق بن خفاجة يصفها:

ولرب طيار خفيف قد جرى ... فشلاً بجار خلفه طيار

من كل قاصرة الخطى مختالة ... مشي الفتاة تجر فضل أزار

مخضوبة المنقار تحسب أنها ... كرعت على ظمأ بكأس عقار

لا تستقر بها الآداجي خشية ... من ليل ويل أو نهار بوار

ومن الأوصاف الجامعة لمجموع هذا النوع قول بعض الأعراب:

وقبلي أبكى كل من كان ذا هوى ... هتوف البواكي والديار بلاقع

وهن على الأفلاق من كل جانب ... نوائح ما تخضل منها المدامع

مزبرجة الأعناق نمر ظهورها ... مخطمة بالدر خضر روائع

ترى طرراً بين الخوافي كأنها ... حواشي برد زينتها الوشائع

ومن قطع الياقوت صيغت عيونها ... خواضب بالحناء فيها الأصابع

والجامع لكل الأوصاف والتشبيهات لهذا النوع قول أبي الأسود الدؤلي:

وساجع في فروع الأيك هيجني ... لم أدر لم ناح مماتي ولم سجعا

أباكياً ألفه من بعيد. . . فرقته ... أم جزعاً للنوى من قبل أن يقعا

يدعو حمامته والطير هاجعة ... فما هجعت له ليلى ولا هجعا

موشح سندساً خضراً مناكبه ... ترى من المسك في أذياله لمعا

له من الآس طوق فوق لبته ... من البنفسج والخيري قد جمعا

كأنما غب في مسود غالية ... وحل تحته الكافور فانتفعا

كأن عينيه من حسن أصفرارهما ... فصان من حجر الياقوت قد قطعا

كأن رجليه من حسن احمرارهما ... مادق من شعب المرجان فاستعا

شكى النوى فبكى خوف الآسى فرمى ... بين الجوارح من أوجاعه وجعا

والريح تخفضه طوراً وترفعه طوراً ... فمنخفضاً يدعو ومرتفعا

كأنه راهب في رأس صومعة ... يتلو الزبور ونجم الليل قد طلعا

<<  <   >  >>