للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وغدوت ملتحفا بمرط حبرت ... فيه بديع الوشى كف أنيق

ولبست كالطاووس وشيا لامعا ... متلألئا إذ رونق وبريق

من حمرة مع صفرة في زرقة ... تخييلها يخفي على التحقيق

عرض تجل عن القياس وجوهر ... لطفت معانيه عن التدقيق

وكأن سالفتيك تبر سائل ... وعلى المفارق منك تاج عقيق

تزقو وتصفق بالجناح كمنتش ... وصلت يداه الصوت بالتصفيق

وقال أبو هلال العسكري يصفه:

متوج..... بعقيق ... مقرط بلجين

عليه قرطق وشي ... مشمر الكمين

يزهو بتاج وطوق ... كأنه نور عين

حتى إذا الصبح وافى ... مطرز البردين

دعا دعاء طريب ... مصفق باليدين

وقال بعض الأندلسيين:

وكائن نفي النوم من عين فان ... بديع الملاحة حلو المعاني

بأجفان عينيه..ز ياقوتتان ... كأن وميضها جمرتان

على رأسه التاج مستشرفا ... كتاج ابن هرمز في المهرجان

وقرطان من جوهر ... أحمر ... يزينانه زين قرط الحصان

له عنق حوله.... رونق ... كما حوت الخمر إحدى القناني

ودارت برائله حولها ... لها ثوب شعر من الزعفران

ودارت بجؤجئه حلة ... تروق كما راقك الخسرواني

وقام له ذنب معجب ... كباقة زهر بدت من بنان

وقاس جناحا على ساقه ... كما قيس ستر على خيزران

وصفق تصفيق مستهتر ... بمخمرة من بنات الدنان

وغرد تغريد ذي لوعة ... يبوح بأشواقه للغواني

ولله أبو علي بن رشيق حيث مزق عليه جلباب الممادح وتركه من سمل الذم في الزي الفاضح في قوله:

قام بلا عقل لا دين ... يخلط تصفيفا بتأذين

فنبه الأحباب من نومهم ... ليخرجوا في غير ما حين

بصرخة تبعث موتى الكرى ... قد أذكرت نفخ اسرافين

كأنها في حلقة غصة ... أغصه الله بسكين

ولمح في شعره هذا المثل المضروب وهو قولهم) أثقل من الزواقي (وهي الديكة لأنها تفعل في تفريق المحبين فعلا يقصر عنه غراب البين حيث يؤذن صياحها بتصرم ليل الوصال، وتروع رضيع الشفاه اللعس بالفصال وللناس في وصف الديك محاسن كبيرة تركناها لئلا يضيق صدر كتابنا من إبداعها وتسأمها النفوس فتلفضها من أصداف أسماعها، ومن خرافات العرب ما وسعني الإخلال بها ولا الإهمال للأخبار بعجبها، حكى الرياش قال: كنا عند الأصمعي فوقف عليه أعرابي فقال: أأنت الأصمعي؟ فقال: نعم، قال: أنت أعلم الحضر بكلام العرب؟ فقال: ما معنى قول أمية بن أبي الصلت حيث قال:

وما ذاك إلا الديك شارب خمرة ... نديم غراب لا يمل الحوانيا

فلما استقل الصبح نادى بصوته ... ألا يا غراب هل رددت ردائيا

فقال الأصمعي: كانت العرب تزعم أن الديك كان ذا ناح يطير به في الجو وإن الغراب كان ذا جناح كجناح الديك لا يطير بهما، وإنهما تنادما ليلة في حانة يشربان فنفد شاربهما فقال الغراب: لو أعرتني جناحك لأتيتك بشراب فأعاره جناحه فطار ولم يرجع، فزعموا أن الديك عند الصبح إنما يصيح استدعاء لجناحه من الغراب، فضحك الأعرابي وقال: ما أنت إلا شيطان.

القول في طبائع الحجل

<<  <   >  >>