قال المتكلمون في طبائع الحيوان: القمل يتولد من العرق والوسخ إذا أصاب ثوبا، أو ريشا، أو شعرا حتى يصير المكان عفنا، ويكون في الرأس الأسود الشعر أسود، وفي الرأس الأبيض الشعر أبيض، وفي الرأس الأحمر الشعر - أما شقرة وأما خضاب بحناء - أحمر، ومتى نصل الشعر يغير إلى لونه، والقمل من الحيوان الذي إناثه أكبر من ذكوره، ويقال: إن ذكور القمل الصيبان، ويقال أنها بيضها، والقمل يسرع إلى الدجاج والحمام، إذا لم يغسل، ويعرض للقرود أيضا، وأما قملة النسر وهي التي تكون في بلاد الجبل، وتسمى بالفارسية دده، وإنها إذا عضت قتلت، وهي أكبر من القملة، وأكثر ما تكون بمهرجان قذق، ومع صغر جسمها، فإنها تفسخ جسم الإنسان في أقل من الإشارة باليد، وهي تعض لا تلسع، وإنما سميت قملة النسر لأن النسر إذا سقطت بتلك الأرض في بعض الأزمنة تسقط منه قملة فيستحيل إلى هذا الخبث.
قال أبو نؤاس في رجل يتفلى في الشمس:
للقمل حول أبي العلاء مصارع ... من بين مقتول وبين عقير
وكأنهن إذا علون قميصه ... فذ وتوأم سمسم مقشور
؟ الباب السادس
[في طبائع سباع الطير وكلابها]
ومجموع هذا النوع عند أبي الأشعث ناري لأن طبيعته حارة يابسة، وهو غضوب حقود غاضب قاتل يغتذي بالدم واللحم، ويطير في جو السماء، ويتجاوز في طيرانه البخار والهواء الذي هو حار رطب، ويعلو إلى هواء حار يابس، وإنما تم له هذا الغلو إلى هذا الهواء من الجو لأن له نفسا مزاجها كمزاجه فهي تتحرك النار، وهو ليس بذي شيء، ولا لبث في الصحارى، ولا في الشطوط لبعده عن المزاج الرطب ولا هو مما يجتمع خيطا كما يطير بعض الطير ويتزاوج عند الشبق وتفارق الذكور الإناث عند زواله للشره الذي كل واحد منهما وقوة الغضب ما يفترس بعضه بعضا، ولغلبة المزاج الناري على طبيعته صار فيه ذكاء وسرعة حركة، وختل وقلة وفاء، وأنواعه تنحصر في أربعة وهي العقاب والبازي والصقر والشاهين وتنعت بالجوارح والسباع والضواري، والكواسر والمضرحيات والأحرار والعتاق، وذوات المنسر من الطير ذكورها أصغر أجساما وألطف أقدادا من إناثها وأقل جمالا، وذوات المناقير بالعكس من ذلك، وتسمى البغات، والذي نبدأ به بالذكر من الجوارح:
[القول في طبائع العقاب]
وهذا الصنف يؤنث ولا يذكر ويسمى العنقاء على ما ذهب إليه أهل اللغة وبهذا القول فسر قول أبي العلاء المعري:
أرى العنقاء تكبر أن تصادا ... فعاند من تطيق له عنادا
ولا خلاف عند أهل اللغة في ذلك، وهذا الصنف ينقسم إلى قسمين: عقاب، وزمج.