فصل الناس ما بين الضأن والمعز، فقالوا إذا ارتعت الضأنية والماعزة ينبت ما تأكله الضأنية، ولم ينبت ما تأكله الماعزة، لأن الضأنية تقرض ما تأكله باسنانها والماعزة تجذب بأسنانها من أصله، وقال أرسطو: الضأن رديء الشكل قليل العقل، ومن قلة عقله أن يكون في البراري في حضائر فإذا نزل الشتاء، وكثر المطر خرج منها إلى الفضاء والهواء، ويظن أن ذلك ينجيه من المطر، فإذا أصابه المطر خارجا عن الحضيرة لا يبرح عن مكانه، ولا يزول حتى يهلك ولا يكاد يتحرك إن لن تأت الرعاة إليه فتقدم ذكوره فإذا تقدمت تبعتها الإناث، وهي أكسل وأقل حركة من المعز، والمعز يدنو من الناس، ويحس بالبرد أكثر من الضأن، وإذا سمعت الرعد رمت ما في بطونها من ساعتها وهي تسمن من الماء، ولهذا الرعاة يطعمونها الملح بعد كل خمسة أيام إذا كان صيفا تشتد رغبتها في شرب الماء، وهي إذا سمعت دويا في المكان الذي يجمعها فيه التفت بعضها على بعض من الخوف، ومتى أسقيت في الخريف الماء الذي يصيبه ريح الشمال كان أوفق لها من الذي تصيبه ريح الجنوب وهي تهزل من التعب والطرف، ومن الرعايات فيما فضل الله به الضأن على الماعز، إن الله تعالى جعل الضأن مستورة العورة من قبله ومن دبره، والماعز بالضد من ذلك ويحلق بالضأن داء يسمى المجرى وهي أن تشرب الماء ولا تروى، وذلك من متأفه، قالوا ومن فضيلة الكباش أنها تناقف وتناطح الناس يرهنون على قتالها كما يرهنون على سباق الخيل، وقد جعل الله تعالى النماء والبركة، والعدد الضأن، وهي لا تلد في السنة إلا مرة واحدة وتفذ ولا تتئم.
[فصل]
ويقال: في هذا النوع أنه فيه ما هو وحشي، ويشمى كبش الجبل وخلقته خلقة الكباش الأهلية، وفي قدرها، وشكلها جلدا، وصوفا ووجها إلا أن قرونه جفاة جدا.
[الوصف والتشبيه]
لم أجد في هذا النوع إلا رسالة كتبها أبو الخطاب الصابي إلى الحسين ابن صبره جوابا عن بقعة وردت عليه في وصل حمل أهداه إليه: وصلت رقعتك ففضتها عن خط مشرق، ولفظ موفق وعبارة وصيبة ومعان غريبة واتساع في البلاغة يعجز عنه عبد الحميد في كتابته وسحيان في خطاباته وذكرت فيها جملا جعلته بصفتك جملا، وكان كالمعيدي أسمع به ولا أراه، وحضر فرأيت كبشا متقادم الميلاد من نتاج قوم عاد قد أفنته الدهور وتعاقبت عليه العصور فظننته أحد لزوجين اللذين حملهما نوح في سفينته وحفظ بهما جنس الغنم لذريته، صغر عن الكبر ولطف في القدر فبانت دمامته وتقاصرت قامته وعاد نحيلا ضئيلاً باليا هزيلا بادئ السقام عادي العظام جامعا للمعايب مشتملا على المثالب يعجب العاقل من حلول الروح فيه لأنه عظم مجلد، وصوف ملبد، لا توجد فوق عظامه سلبا، ولا تلقي اليد منه إلا خشبا، لو ألقي للسبع لأباه أو طرح للذئب لعافه وقلاه، وقد أطال للكلأ فقده وبعد المرعى عهده لم ير القت إلا نائما، ولا الشعير إلا حالما، وقد خيرتني بين أن أقتنيه فيكون فيه غنى الدهر، أو أذبحه فيكون خصب الشهر، فملت إلى استبقائه لما تعلمه من محبتي في التوفير ورغبتي في التشهير، وجمعي للولد وادخاري لغد، فلم أجد فيه مستمتعا للبقاء، ولا مدفعا للغناء، لأنه ليس بأنثى فيحمل، ولا بفتى فينسل ولا بصحيح فيرعى، ولا بسليم فيبقى، فملت إلى الثاني من رأيك وعملت بالآخر من قوليك، وقلت: أذبحه فيكون وظيفة للعيال، وألقمه رطبا مقام قديد الغزال، فأنشدني وقد أضرمت النار، وحددت الشفار، وشمر الجزار: