للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الحيوان أصناف منها الجرارة والطيارة، وما له ذنب معقف، ومنها السود والخضر والصفر، وأصحاب الكلام في طبائع الحيوان يقولون العقرب مائية الطباع، من ذوات الذرو وكثرة الولد نسبة بالمسك والضب، وعامة هذا النوع إذا حملت الأنثى منه يكون حتفها في ولادها لأن أولادها إذا استوى خلقها أكلت بطنها وخرجت فتموت، والجاحظ لا يعجبه هذا القول ويقول: قد أخبرني من أثق به أنه رأى العقرب تلد من فيها مرتين وتحمل أولادها، وهي قدر القمل كبيرة والعقرب شر ما تكون إذا كانت حبلى، ولها ثمانية أرجل أظلاف لأجل المشي وعيناها في ظهرها، وهي من الحيوان الذي لا يسبح، ومن عجيب أمرها إنها لا تضرب الميت ولا المغشي عليه ولا النائم، إلا أن يتحرك شيء من بدنه فعند ذلك تضربه وهي تأوي إلى الخنافس وتسالمها، وتصادق من الحيات كل أسود سالخ، وربما لسعت فتموت، وفيها ما يلسع بعضها بعضا فيموت الملسوع ومن شأنها إذا لسعت الإنسان فرت فرار مسيء يخاف العقاب وقال الجاحظ في كتاب الحيوان: والعقارب تستخرج من بيوتها بالجراد لأنها حريصة على أكله، تشك الجرادة في عود ثم تدخله الجحر فإذا عاينتها العقرب تعلقت بها، ومتى أدخل الكراث في جحرها وأخرج تبعته، وما معها من نوعها، وهي إذا خرجت من جحرها في طلب المطعم يكون لها نشاط وعزم تضرب كلما لقيته، ولقيها من حيوان أو نبات نشبت فيه إبرتها، وهذه الإبرة مثقوبة فيها السم، والعقارب القاتلة تكون في موضعين: بشهرزور وعسكر مكرم، وهي جرارات، وهذه العقارب تلسع فتقتل، وربما تناثر من لسعته، أو بعض لحمه، واسترخى لا يدنو منه أحد إلا وهو يمسك أنفه مخافة أعدائه، ومن طريف أمرها أنها مع صغرها وقلتها، وغزارتها تقتل الفيل والبعير بلسعتها وبنصيبين عقارب قتالة إن أصلها من شهرزور، وإن بعض الملوك حاصر نصيبين فأتى بالعقارب من شهرزور، ورمى بها في حيزان المجانيق إلى البلد، فأعطى القوم بأيديهم.

[الوصف والتشبيه]

قال عبد الصمد بن المعذل يدعو بها على عدو له:

يا رب ذي افك كثير خدعه ... مستجهل الحلم خبيث مربعه

يسري إلى عرض الصديق قذعة ... صبت عليه حين جمت بدعه

ذات ذنابى متلف من يلسعه ... تحفظه طورا وطورا ترفعه

أسود كالسبجة فيه مبضعه ... ينظف منه سمه وسلعه

تسرع فيه الحتف حين تشرعه ... يبرز كالقرنين حين تطلعه

في مثل صدر السبت حين تقطعه ... ما تصنع الرقشاء ما قد تصنعه

وقال السري الرفاء:

سارية في الظلام مهدية ... إلى النفوس الردى بلا حرج

شائلة في ذنيبها حمة ... كأنها سبجة من السبج

وقال آخر:

ومشرعة بالموت للطعن صعدة ... فلا قرن نادته يوما يجيبها

مداخلة في بعضها خلق بعضها ... كجوشن عظم ثلمته حروبها

تذيقك من وخز إبرة ... إذا لسعت ماذا يلاقي لسعيها

إذا لم يكن لون البهارة لونها ... فمن يرقان دب فيها شحوبها

لها سورة خصت بمنكر صورة ... ترى العين فيها كل شيء يريبها

لها طعنة لا تستبين لناظر ... ولا يرسل المسبار فيها طبيبها

نسيت بها قيسا وذكرى طعينه ... وقد دق معناها وجل ندوبها

تجيء كأم الشبل غضبى توقدت ... وقد توج اليافوخ منها عسيبها

عدو مع الإنسان يعمر بيته ... فكيف يوالي رقدة يستطيبها

ولولا دفاع الله عنا بلطفه ... لصبت بنا الدنيا علينا خطوبها

وقال آخر يصفها من أبيات:

تحمل رمحا ذا كعوب مشهر ... فيه سنان بالحريق مستعر

أنف تأنيفا على حين قدر ... تأنيف انف القوس شدت بالوتر

وقال آخر في ذلك أيضا:

ونضوة تعرف باسم ولقب ... ما بين هلال منصب

موجودة معدومة عند الطلب ... تطعن من لاقته من غير سبب

بخنجر تستله عند الغضب ... كأنه شعلة نار تلتهب

القول في طبائع الخنفساء

<<  <   >  >>