الرعاة يسلخون جلد ولدها ويحشونه، ويعلمون له قوائم تقف عليها بازائها لتدر له وتسكن، ويسمى هذا المثال) البو (، وفي طبع الذكر توفر الشهوة والاغتلام، فإذا صعب وامتنع كذلك على الرعاة ربطوا ركبته اليمنى بحبل صوف فيذل وينقاد، والأنثى إذا كان ولدها معها منعت منه السباع بقرونها أشد منع حتى تنجيه، أو تهلك دونه، والبقر يحب الماء الصافي ويختاره بضد ما يريده الخيل والإبل، وهي من الحيوان الذي يكون له قائد يتولى الحراسة والإيراد والإصدار، وهي من اقاطيعها تتألف فإذا جاء وقت هيجانها اقتتلت قتالا شديدا إن الواحد منها يريد أن يكون المستولي عليها ويقول أرباب الفلاحة: إن البقر تعرف الشتاء الشديد وتنذر به أهل القرية وذلك أنها تربض على جنبها اليمنى، وتديم شم الأرض، والثور والهرمتي لطخ منخريهما بدهن الورد هلك الهر وصرع الثور.
[فصل]
وبأرض مصر بناحية دمياط بقر يسمى بقر الخيس، وهي بقر رقاق طوال الرقاب قرونها كالأهلة، وبينها وبين سواها كما بين الغزال والغنم وفيها نفور ووحشية لا ينتفع بشيد منها غير اللبن وما يكون منه وهي وإن كانت وحشية فغنها مملوكة، ولها رعاة لكنها لا تعلف، ومأواها حيث يكون العشب والماء دائما ولهذا توجد إلا في جزائر بحر تنيسي، ورعاتها يسمون الإناث منها بأسماء متى دعيت بها إلى الحلب أجابت، إذا ولدت الأنثى وخفيت على راعيها مكان ولدها في حلقها جرسا وترصدها عند رجوعها من الرعي لتسقي ولدها فيستدل بحس الجرس على مكانه فإذا وقع به حمله إلى خصمه وارتبطه عنده فيغدو بعد ذلك إلى الرعي ويروح إليه، وتؤنس الفحول منها وتستعمل في السواقي ولكن بعد عناء وتعب شديد وممارسة لتفورها وعدم قبولها العلف لأنها في تعرفه، ولم تألفه فهم يجمعونها فتذل وتضطر للانقياد والأكل، وقال المسعودي: رأيت بالري نوعا من البقر يبرك كما تبرك الإبل وتثور بحملها كما تثور، والغالب عليه حمرة الحدق، وسائر البقر ينفر منه، وحكى ابن منقذ في كتابه أزهار الأنهار عن المدائني كأعراف الخيل، قال ابن منقذ: وأظنها الأبقار التي توجد فيها الراجم وسمعت من يقول أنها أبقار عمالة في بلاد يقال لها خم وتافة وبلجستان وهي ملونة بيض وسود وبلق، والبراجم تكون في رؤوس أذنابها وهي الكبار على كتفها وهي الصغار، وسمعت من يقول: أنها أبقار تخرج من الصين تلد وترضع، وكانت العرب إذا أوردوا البقر فلم تشرب أما للكدر وأما لقلته ضربوا الثور فيقتحم الماء لأن البقر تتبعه كما يتبع الشول الفحل قال شاعرهم في ذلك:
هجوني إذا هجرت جبال سلمى ... كضرب الثور للبقر الظماء
وكانوا يزعمون أن الجن هي إليّ تصد الثيران عن الماء حتى تهلك الأرض عطشا، وقال شاعرهم في ذلك:
لكا الثور والجني يضرب وجهه ... وما ذنبه إن كانت الجن ظالمة
[الوصف والتشبيه]
قال أحمد بن علوية الأصفهاني:
يا حبذا مخضها ورائبها ... وحبذا في الرجال صاحبها
عجولة سمحة مباركة ... ميمونة طفح. . . . محالبها
تقبل للحلب كلما دعيت ... ورامها للحلاب حالبها
فتية سنها. . . .. مهذبة ... معنف في الندى عائبها
كأنها لعبة مزينة ... تطير بها عجبا ملاعبها
كأن ألبانها جنى عسل ... يلذها في الإناء شاربها
عروس باقورة إذا برزت ... من بين أحبالها ترائبها
كأنها هضبة إذا انتسبت ... أو بكرة قد أناف غاربها
تزهى بروقين كاللجين إذا ... مسهما بالبنان طالبها
لو أنها مهرة لما عدمت ... من أن يضم السرور راكبها
وأنشدنا الأديب الفاضل شمس الدين محمد الموصلي) عرف بابن الجاووش (لنفسه وقد سألته أن يعمل في ذلك عملة حسنة فقال:
لله عجلة خيس ... صفراء ذات دلال
تريك عيني مهاة ... من تحت قرني غزال
قد سربلت باصيل ... وتوجهت بهلال
[القول في طبائع الجاموس]
وهو حيوان هندي، والفرس تجعله ضأن البقر، وتسميه) كلوميس (كأنهم قالوا ضأن بقري لأنهم وجدوا فيه شبه الكبش وكثيرا من مشابه الثور لأن الكباش ضربت في البقر فجاءت الجواميس.