ويسمى أيضا) كندش (بالشين المعجمة، وهو طائر لا يأوي تحت سقف ولا يستظل به، بل يهيء وكره في المواضع المشرفة وجو الهواء الفسيح، وفي طبعه الزنا والخيانة، ويوصف بالسرقة والخبث، والعرب تضرب به المثل في جميع ما ذكرناه، وإذا باضت أخفت بيضها بورق الدلب خوفا من الخفاش، فإنه متى قرب من البيض مذر وفسد، ويطير من ساعته، وهو يغطي فراخه بجناحيه إذا نزل المطر خوفا عليهما منه وشفقة، وتقول العرب: اموق من عقعق، وإذا كان حذرا فإنه يضيع بيضه وفراخه، وفي طبعه أنه شديد الاستلاب والاختلاس لما يراه من الحلي، فكم عقد ثمين وسلك خطير اختطفه من بين يدي قوم، فأما رقى به وخلفه في الهواء فأتلفه، وأما أحرزه ثم لم يلتفت إليه أبدا.
[الوصف والتشبيه]
قال فيه إسحاق الموصلي:
إذا ما بارك الله في طائر ... فلا بارك الله في العقعق
قصير الذنابي طويل الجنا ... ح متى ما يجد غفلة يسرق
يقلب عينيه في رأسه ... كأنهما قطرتا زئبق
[القول في طبائع العصفور]
وهو ضروب منها ما هو مطرب بصوته معجب بصورته وحسنه، وسيأتي ذكرها فيما بعد إن شاء الله تعالى، فأما العصفور البيوتي، فإن أصحاب الكلام في طبائع الحيوان يقولون أن في طباعه اختلاف لما فيه طباع سباع الطير وبهائمه فالذي فيه من طباع السباع أنه يلقم فراخه، ولا يزقها، ويصيد أجناسا كبيرة من الحيوان ذي الجناح كالنمل إذا طار فراخه والجراد، ويأكل اللحم، والذي فيه من طبائع بهائم الطير أنه ليس بذي مخلب ولا منسر، وهو إذا سقط على عودة قدم أصابعه الثلاث، وأخر الدابرة، وسباع الطير تقدم إصبعين وتؤخر إصبعين، وتأكل الحب والبقول، ويتميز الذكر فيها على الأنثى بلحية سوداء كما للرجال، والتيس، والديك، وليس في الأرض طائر ولا سبع ولا بهيمة أحنى على ولده وأشد به شغفا، وعليه إشفاقا من العصافير فإنها إذا أصيبت أولادها أو خافت عليها العطب فليس في شيء من أنواع من الحيوان المساعدة مثل الذي في العصافير، لأن العصفور يرى الحية قد أقبلت نحو عشه لتأكل بيضه أو فراخه، فإنها مولعة بذلك فيصيح فلا يسمع عصفور إلا أقبل إليه يصنع مثل صنعه بتخوف وقلق ولوعة واستغاثة، فربما أفلت الفرخ فصار إلى الأرض وذهبت الحية فيجتمعن عليه إذا قد نبت ريشه نبات، ولا يزلن يهيجنه للطيران بأن يطرن حوله لعلمها بأن ذلك يحدث بالفرخ قوة على الطيران، فإذا نفض طرن حوله ودونه حتى يحتملنه بذلك العمل والعصفور لا يعرف المشي، فإذا نفض يرفع رجليه فيثب فيضعهما معا ليس معه إلا النقزان وهو كثير السفاد، وإنما سفد في الساعة الواحدة نحوا من خمسين مرة، ولذلك قصر فإنه لا يعمر أكثر من سنة، وعلامة ذلك أن الأطراف السود لا يظهر فيها إلا في أوان الربيع، وهذا يدل على أنه لا يبقى من الذكور من شدة الوطء وصلابة الوقع على السطح مثل ما للعصفور، ولفرخ العصفور تدرب على الطيران حتى أنه من الغابة البعيدة يدعى فيجيب، قال الجاحظ، وبلغني أنه رجع من فرسخ، ومن ضروب العصافير عصفور الشوك الذي يأوي إليه هذا العصفور، وربما نهق الحمار فيسقط فراخه، وبيضه من جوف وكره، فلذلك العصفور إذا رأى الحمار، قرب من فوق رأسه وعلى عنقه وإذا بطيرانه وصياحه ونقره في جراحه، ويقال إن سبب عداوته له أن معاش هذا العصفور من برز الشوك، وفيه بيضة، والحمار يرعى الشوك إذا كان رطبا.
من ضروب العصافير القبرة وهي غبراء كبيرة المنقار وعلى رأسها قبرة وهذا الضرب خب قاسي القلب، وفي طبعه أنه لا يهوله صوت صائح به، وربما رمي بالحجر فاستخف بالرامي ولطا إلى الأرض حتى يتجاوزه الحجر، وبهذا السبب لا يزال مقتولا أو مأخوذا لأن الرامي يحمله الحنق عليه فلا يزال يرميه حتى يصبه، وهو يصنع وكره على الجادة حبا للإنس، ومن ضروب العصافير: حسون ويسميه أم الحسن، والمصريون السقاية، وهو ذو ألوان حسنة التأليف والتركيب، وذلك أن سائر جسمه متصل الأصباغ بالحمرة والصفرة والبياض والسواد والزرقة والخضرة، وربما علم استقاء الماء من إناء إلى إناء بآلة لطيفة يطيق حملها دبرت له.
[الوصف والتشبيه]
قال أبو هلال العسكري يصف هذا العصفور
ومفتنة الألوان بيض وجوهها ... ونمر تراقيها وصفر جنوبها
كأن دراريعا عليها قصير ... ة مرقعة أعطافها وجيوبها